[تفسير قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم)]
ثم قال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة:٢٥٤].
قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[البقرة:٢٥٤] يسميه بعض العلماء نداء كرامة؛ لأن الله نعت الله عباده بوصف الإيمان أحب نعت إلى قلوبهم، ثم طالبهم بالإنفاق وجعله مبهماً؛ لأن المقصود منه الإنفاق الفرضي وإنفاق ائتنفل على الصحيح، ومجرد الإنفاق إن كان فرضاً أو نفلاً تفسره السنة، ويفسر في كتب الفقهاء، ولكن الله بين هنا السبب في الإنفاق، وهو أن الإنسان ينفق في الدنيا ليهون عليه الموقف يوم القيامة، فقال سبحانه:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ}[البقرة:٢٥٤]، وضرب الأمثال من الواقع يقرب المسائل، فبيان هذه الآية بضرب هذا المثل، فلو أنه كان عليك حق تريد أن تسدده لغيرك فإنك لن تتخلص منه إلا بواحدة من ثلاث: الأولى: أن تشتريه فتدفع ثمنه وينتهي الحق، كما لو كان عليك ألف ريال لفلان لأنك صدمت سيارته، فإما أن تبيع شيئاً أو تشتري منه هذا الخلل، فتقول بكم تقدر العطل؟ فيقول: بألف ريال، فتعطيه ألف ريال وتنتهي القضية.
الثانية: أن تعجز عن الألف فتعمد إلى صديق يعينك على دفع الألف أو قريب أو أي إنسان آخر.
الثالثة: ألا تجد من يعينك أو يعطيك، ولكن تعرف شخصاً ذا وجاهة يعرف هذا الرجل، فيذهب كشفيع يشفع عنده ليتنازل عن الحق، ولا يوجد حل ثالث.
فهذه الثلاث كلها منتفية يوم القيامة، فأنت لا تستطيع أن تشتري ذنوبك بأي ثمن، ولا تستطيع أن تذهب إلى أحد ليحملها عنك، ولا يوجد شفيع ذو وجاهة غير الله يستطيع أن يلغي أو يذهب أو يزيل عنك ذنوبك، فهو الأمور كلها لله، فلا ينفع يومئذ إلا ما أذن الله جل وعلا به أن ينفع، ولذلك ذكر الله البيع، ويفسر بالشراء، وذكر الخلة، وهي الصداقة والمعرفة، وذكر الشفاعة، وهي الوجاهة، وكلها منتفية، إلا الشفاعة المثبتة شرعاً، وسيأتي بيانها.
قال الله تعالى:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة:٢٥٤] لأنهم عدلوا مع الله غيره، وهذا من أعظم الظلم.