[بيان ما دفعه الله عن هذه الأمة وما ابتلاها به مما ذكر في الآية]
وهذه الآية لا تحتاج إلى كلفة في الشرح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -كما روى البخاري وغيره- لما نزلت هذه الآية فتلاها جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام:٦٥] قال صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهه) فالنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بوجه الله، فلما استعاذ النبي بوجه ربه أعاذه الله، ومن هذا تعلم أن هذه الأمة لا يمكن أن تهلك بعذاب عام من السماء، فقرأ جبرائيل: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام:٦٥] فقال صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهه)، ومن هنا تعلم أن هذه الأمة لا يمكن أن تهلك كلها بخسف من الأرض.
ثم قرأ جبرائيل: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:٦٥] فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بوجهه)، ليمضي قدر الله، بل قال صلى الله عليه وسلم: (هذه أهون) وفي رواية: (أيسر) وفي رواية أخرى: (هاتان أهون وأيسر) ولم يستعذ بالله ليمضي قدر الله، وهذا أمر مشاهد واضح جلي، وهو أن الأمة ذاق بعضها بأس بعض، فمنذ أن قتل عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا والأمة يذيق بعضها بأس بعض.
وآخر ما حصل من ذلك في قمع الدولة للإرهابيين، فالذين ماتوا من هذه الطائفة مسلمون، والذين ماتوا من هذه الطائفة مسلمون.
صحيح أنهم خارجون عن طاعة ولي الأمر، وأن ما فعلوه خطأ محض، ولا يجوز شرعا، ولكن هذا لا يخرجهم عن دائرة الإسلام، وكذلك الذين ماتوا ممن كانوا تحت طاعة ولي الأمر مسلمون، فهذا معنى قول الله {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:٦٥].
وقوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام:٦٥] الشيع: الفرق والأحزاب.
والأمة منذ مقتل عثمان رضي الله عنه في أكثر أزمنتها وهي متفرقة أهواء وفرقا وشيعا.
واعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض وقال (إن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) أي ملك فارس وملك الروم.
ثم دعا صلى الله عليه وسلم ربه بألا يهلك أمته غرقا، فاستجاب الله جل وعلا له، فالأمة لا تخاف من موتها كلها غرقاً؛ لأن هذا أمر سأله النبي صلى الله عليه وسلم ربه فأعطاه الله إياه.
ثم سأله ألا يسلط عليها عدوا يستبيح بيضتها، و (بيضتها) مركزها وأصلها، والعصبة الرئيسة، فاستجاب الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم.
وسأله ألا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعه الله جل وعلا ذلك، وقال: (أنني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد).
فتفهم من هذا أموراً، وذلك أنه لما حصل غزو العراق من قبل أمريكا خاف الناس، وبعضهم أرجف بأن تسلط أمريكا على دولة الحرمين، وتهلك مكة والمدينة، ولا شك في أن الذين خافوا قوم غيورون يريدون الخير للأمة، ولكن من كان لديه بضاعة قوية من العلم كان يعلم أن هذا لا يمكن أن يقع قدراً ولا شرعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ربه وعداً بأنه لا يسلط عدوا على أمة الإسلام يستبيح بيضتها، ومن كان منصفا يعلم أن بيضة الإسلام اليوم هي دولة الحرمين، فهي بيضة الإسلام اليوم، ولا يمكن أن يُمكن لأمريكا ولا لغيرها أن تسلط تسلطا عسكريا على أرض الحرمين فتستبيح بيضتها وتهلك من فيها بالكلية، فهذا أمر لا يمكن أن يقع، لا على يد أمريكا ولا على يد غيرها؛ لأن هذا أمر سأله نبينا صلى الله عليه وسلم ربه فأعطاه الله إياه.
ولكن الله منع النبي صلى الله عليه وسلم -لأمره وقضائه وحكمته- لما سأله ألا يسلط بعضهم على بعض، فقال الله جل وعلا: (إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد) وهذا أمر مشاهد، فإن الأمة تفرقت فرقا وأحزابا وشيعا منذ مقتل عثمان وحرب علي ومعاوية رضي الله عنهما.