[كشف الضر وأسبابه]
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} [يونس:١٢] أي: رفعناه.
{مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس:١٢]، وهذا يسمى إطلاق.
فهل كل أحد إذا مسه الضر ودعا الله وكشف الله عنه ضره يغفل عن الله؟ مستحيل، ليس كل واحد، فالمؤمن الصادق في إيمانه لا يمكن أن يغفل.
وإذا احتج عليك أحد بالآية فإنك ترد عليه بالقرآن، وقلنا: إنه يجب أن ينظر إلى القرآن على أنه كله كلٌ لا يتجزأ، فما أطلقه الله هنا قيده في سورة هود، قال الله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود:١٠]، فهذا نفس الإطلاق الذي في يونس.
ثم استثنى جل وعلا وقال: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود:١١]، فما أطلقه الله في يونس قيده في هود، وهذه نظرة للقرآن بكله، فيصبح هذا المؤمن مستثنىً من هذا الإطلاق الذي في يونس، أي: مستثنىً بالقرآن، ومستثنى بالسنة كما في حديث: (عجباً لأمر المؤمن! إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء -فاعل- صبر فكان خيراً له).
نأتي للمعنى، والمعنى أن الإنسان بطبيعته كافراً كان أو مؤمناً إذا جاءه الضر فإنه يلجأ إلى الله، وهذه حالة يستوي فيها أهل الكفر مع أهل الإيمان، ولكن الابتلاء يكون بعد رفع الضر، فالله يقول عن جنس الإنسان عموماً: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:١٢] نسأل الله العافية، فمن الناس -أعاذنا الله وإياكم- من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.
والمؤمن يعبد الله على كل حال مؤمناً بالله، راضياً بقضاء الله وقدره، ويعلم أن خيرة الله له خير من خيرته لنفسه، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما كان لك فسيأتيك على ضعفك، وما لم يكن لك لن تناله بقوتك، جفت الأقلام وطويت الصحف.
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة أن تقول لو؛ لأن لو تفتح عمل الشيطان، والمؤمن يرضى بقضاء الله وقدره، والرضا بالقضاء والقدر هو الحياة الطيبة التي قال الله عنها لأهل الإيمان: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧].
فالرضا بقضاء الله وقدره هو معنى الإيمان الحق، وكم من منحة - يعني عطية - في طي محنة، والحبل إذا اشتد انقطع، والسحاب إذا تراكم همع، يعني: ينزل منه الماء.
فالأمور كلما ازداد ضيقها دل على قرب الفرج، والإنسان لا يدري ما هو مكتوب، لكن يستقدر الله الخير ويرضى بقدر الله، ويأخذ بالأسباب، ويتوكل على الله، فإن جاءه ما يؤمل فالحمد لله، وإن لم يأته ما يؤمل فكذلك الحمد لله لكن لا يعمم، يقول: الحمد لله على كل حال ونعوذ بالله من حال أهل النار، ويعلم أن خيرة الله له خير من خيرته لنفسه.
هذا فائدة إيمانية.