ولما نزلت هذه الآية كان جيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أعظم جيل بلا شك، فقد ناصروا نبينا صلى الله عليه وسلم وأيدوه ووقفوا معه، فهم شامة في جبين الأيام، وتاج في مفرق الأعوام رضي الله عنهم وأرضاهم.
فلما نزلت هذه الآية تسابقوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم في الإنفاق مما يحبون.
ومما نقل نقلاً صحيحاً ما في الصحيحين من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه كما روى عنه أنس، وذلك أن أبا طلحة الصحابي الجليل كان له نخل في مقدمة المسجد النبوي تسمى: بيرحاء، وكانت في مقدمة المسجد، وكان ماؤها عذباً طيباً، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يدخل ذلك النخل فيشرب من ذلك الماء الطيب، فلما نزلت هذه الآية عمد هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه فأشهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا النخل صدقة في سبيل الله، فقبلها عليه الصلاة والسلام وقال له من باب الإرشاد:(اجعلها في أقربائك) فجعلها أبو طلحة بأمر النبي عليه الصلاة والسلام وإرشاده في اثنين من الأنصار هما: حسان بن ثابت وأبي بن كعب، وكانا من ذوي قرابة أبي طلحة رضي الله عنه وأرضاه.
كما نقل من وجه آخر أن زيد بن حارثة الذي جاء ذكره في القرآن، وهو أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت له فرس تسمى سبل، وكانت أثيرة عنده مقربة لديه، فلما أنزل الله جل وعلا قوله:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:٩٢] جاء زيد رضي الله عنه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وقال: يا نبي الله! إن فرسي (سبل) أحب مالي إلي، وقد أشهدتك أني جعلتها صدقة في سبيل الله، وأعطاها النبي عليه الصلاة والسلام ليتصدق بها، فدعا النبي عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد وأعطاه الفرس، فلما أعطاه الفرس قال:(اقبضه يا أسامة) فتغير وجه زيد؛ لأنه ما كان يريد أن يأخذها ولده، حتى يشعر أنه أنفق في جهة بعيدة، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجه زيد قال:(يا زيد! إن الله جل وعلا قد قبل صدقتك منك).