قال تعالى:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ}[الأنعام:٨٤]، وهذا موضع إشكال؛ لأنه لا يدرى أيعود الضمير على نوح أو على إبراهيم.
فإذا قلنا: إنه يعود على نوح فذلك يؤيده أمران: الأول: أن قواعد اللغة تقول: إن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو نوح.
والأمر الثاني: أن الله قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}[الأنعام:٨٤ - ٨٥]، في الآية الثالثة هي {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}[الأنعام:٨٦]، ولوط بالاتفاق ليس من ذرية إبراهيم، بل ابن أخيه، فلوط هو ابن هاران، وهاران أخو إبراهيم، فمن حيث النسب الصريح ليس لوط ابناً لإبراهيم، وإنما هو ابن أخيه.
فقالوا: هذان دليلان على أن المقصود نوح.
والذين قالوا: إن الضمير في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ}[الأنعام:٨٤]، وعائد على إبراهيم قالوا: إن الآيات في مقام الثناء على إبراهيم، وهذا واضح، فالله تكلم عن إبراهيم، وقوله:{وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ}[الأنعام:٨٤] جملة اعتراضية.
الأمر الثاني: قالوا: إن الله سمى في القرآن العم أبا، وذلك في سورة البقرة حيث قال تعالى:{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[البقرة:١٣٣]، فأبناء يعقوب يقولون لأبيهم:{نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[البقرة:١٣٣]، فإبراهيم أبو يعقوب لأنه جده، وإسحاق أبو يعقوب مباشرة، ولكن إسماعيل ليس أباً ليعقوب، وإنما هو عم له، فقالوا: هذا من الأدلة على أن الله سمى في كتابه العم أباً ولا يوجد راجح؛ لأنه لا يوجد مرجح، فلا يكون القول راجحاً حتى يكون هناك مرجح، ولا يوجد مرجح، فهذان قولان متكافئان، فنقول: تحتمل الآية الأمرين، والله أعلم بمراده منها، تأدباً مع كتاب الله.