[تفسير قوله تعالى:(فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)]
يقول الله تعالى لنبيه ولأصحابه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال:١] والصلح وصفه الله جل وعلا بأنه خير، ويقع على عدة طرائق: فيقع بين أهل الإيمان وأهل الكفر، ودليله قوله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[الأنفال:٦١]، وهذا مرده إلى ولي أمر المسلمين.
وهناك صلح يقع بين فئتين من أهل الإسلام تتقاتلان، فيسعى بينهما بالصلح، قال الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:٩].
وهناك صلح يقع بين الزوج والزوجة قال الله فيه:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:٣٥].
وهناك صلح يقع بين الرجل والرجل في خصومات ماليه، وهذا لابد فيه من التنازل، وأي صلح لا بد فيه من التنازل، فإن لم يتنازل كلا الطرفين فلا يسمى ذلك صلحاً.
والسعي بين الناس في الصلح من أعظم طرائق الخير، قال الله جل وعلا:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء:١١٤]، بل إنه مما يجوز الكذب فيه شرعا.
فقول ربنا جل وعلا:{وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال:١] أي: كونوا أمة متحابة متآلفة لا تفرق بينكم الدنيا ولا الغنائم، وهذا تربية لصفوة الأمة -وهم أهل بدر- من لدن العليم الخبير جل جلاله.