قال تعالى:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ}[الأنفال:٤] وهذا دلالة على أن هؤلاء الذين هم المؤمنون حقاً لا يمكن أن يكونوا قد خلوا من الذنوب كلها، فهذا محال؛ إذ لا يمكن أن يخلو أحد من الذنوب كلها، فكلنا ومن قبلنا ومن بعدنا ذوو خطأ، ولن ندخل الجنة بأعمالنا، ولكن المؤمن قد شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالفرس المعقود حبله في مكان ثابت، فمهما بعد فإنه يعود إلى مكانه، فالمسلم مهما نأت به المعصية فإنه يفيء إلى ربه، ويرجع إلى مولاه، ويجدد التوبة، ويسأل الله غفران الذنوب، ويأتي بالحسنات علَّ الله أن يكفر بها ما سلف من الخطايا، قال الله:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود:١١٤].
وإن كنت قد ابتليت بنوع من المعاصي فليس الحل أن تبقى على تلك المعاصي، وتداهن أهلها، وتبقى معهم، بل الحل أن تتوب وترجع، ولأن تلقى الله وقد خلطت عملاً صالحاً وآخر سيئاً خير لك من أن تلقى الله وليس لك من العمل الصالح شيء، والمؤمن حصيف عاقل يعلم أن الله يغفر الذنوب ويقبل التوبة، والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي:(يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاًً فاستغفروني أغفر لكم).
فالله جل وعلا وسعت رحمته كل شيء، وباب توبته مفتوح، وهو -جل وعلا- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فلا انفكاك من التوبة والأوبة والرجوع إلى الله جل وعلا.