[تفسير قوله تعالى: (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق)]
قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:٦٢].
(ثم) حرف عطف يفيد التراخي، والتعقيب، فهناك فترة زمنية بين قبض الروح، ورجوع العباد إلى الله ليحكم بينهم، وهي التي تسمى حياة البرزخ.
فقوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا} [الأنعام:٦٢] أي الخلق {إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:٦٢]، بكسر القاف؛ لأنها صفة للفظ الجلالة.
وهنا مسألة، وهي أن الله هنا يتكلم عن جميع الأرواح مؤمنها وكافرها، فكل الأرواح مردها إلى الله، وقال الله في نعت ذاته العلية هنا: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:٦٢] مع أنه قال في سورة محمد: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١].
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١].
فكيف يستقيم الجمع بين قول الله في كتابه: {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١] وقوله في آية عامة {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام:٦٢].
والجواب عن هذا أن يقال: إن كلمة (مولى) لفظ مشترك لعدة معان، فيأتي بمعنى المعتِق، ويأتي بمعنى المعتَق، فيقال للسيد الذي أعتق: مولى، ويقال للعبد الذي أُعتق: مولى.
ويقال (مولى) بمعنى: مالك الملك، وهو هو المراد بالآية هنا، فقول الله جل وعلا {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ} [الأنعام:٦٢] أي: ملكهم.
وأما قول الله في سورة محمد: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [محمد:١١] أي: ناصرهم، وقول الله {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١] أي: لا ناصر لهم، وإلا فالكفار والمؤمنون ملك لله.
فمعنى (مولى) في سورة محمد: ناصر، ومعنى (مولى) في سورة الأنعام: مالك الملك، والله مالك أهل الكفر وأهل الإيمان، أما أن الله ناصر لأهل الإيمان فلا شك في ذلك، وليس الله بنصير لأهل الكفر.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) أي: من كنت ناصره وحاميه فعلي ناصره وحاميه، فهذا معنى (مولى) في هذا الحديث الشريف.
فيتحرر من هذا أن (مولى) لفظ مشترك لعدة معان، وهو في سورة الأنعام بمعنى مالك الملك، ولا شك في أن الله مالك للعباد كلهم.