الثانية: أن الحق من قول أو فعل يقبل من أي أحد، دل على هذا هذه الآية عن طريق التلميح عن طريق التصريح، ودلت آيات أخر عليه بطريق التصريح.
فـ بلقيس كانت تحكم اليمن، وكانت تعبد الشمس، كما قال الهدهد:{وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[النمل:٢٤]، فلما حصل ما حصل من بعث سليمان الخطاب لها وأخذت تستشير قومها قالت لهم:{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}[النمل:٣٤]، فهذا كلام بلقيس في كتاب الله، وقال الله بعدها:{وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}[النمل:٣٤]، فالله جل وعلا صدقها على قولها رغم أنها عابدة شمس.
والكفار القرشيون قال الله عنهم:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}[الأعراف:٢٨]، فذكروا سببين لفعل الفاحشة، {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}[الأعراف:٢٨]، فلما رد الله عليهم رد على الثاني دون الأول، رغم أنهم عباد وثن يعبدون اللات والعزى، ولكن الله أقر قولهم بأنهم وجدوا عليها آباءهم، فلم يرده عليهم، فجاءت الآية:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}[الأعراف:٢٨]؛ لأنهم كذبوا في قولهم: إن الله أمرهم بها، ولكنهم عندما قالوا: وجدنا عليها آباءنا كانوا صادقين، فلما كانوا صادقين في كونهم ورثوا هذا الشيء عن آبائهم لم يرده الله جل وعلا عليهم.
فالحق -يا أُخي- يقبل بصرف النظر عن قائله، وأما الخطأ فإنه يرد بصرف النظر عن قائله، فالخطأ يرد، ولكن إن كان قائله معروفاً بالعلم والصلاح والتقوى فإنه يعتذر له ولست ملزماً بقبول القول، ولكن لا تقع في عرضه.