[تفسير قوله تعالى: (فيهن قاصرات الطرف)]
ثم ذكر الله بعض ما من به على أهل الجنة فقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦].
قوله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن:٥٦]، فأفضل خصلة في المرأة أن يكون طرفها مقصوراً على زوجها، فلا تتشوف إلى غيره من الرجال، وهذه أعظم خصلة في النساء، ولأنها أعظم خصلة في النساء فإنها يحبها الأزواج جميعاً، وجعلها الله جل وعلا أول نعت للحور العين فقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن:٥٦] أي: تقصر طرفها وعينها ورؤيتها وتشوفها على زوجها فقط، ولا تتعداه إلى غيره.
وقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٥٦] فيه إشارة واضحة إلى أن مؤمني الجن يدخلون الجنة.
وفي الآية تحذير لما وقع فيه بعض النساء اليوم -عياذاً بالله- من كثرة النظر الناجم عن كثرة الخروج، إما نظر إلى الشاشات إذا كن بالبيوت، أو نظر إلى الرجال إذا كن في الأسواق، أو في دور الملاهي وما شابه ذلك، فهذا إثم ومعصية، وفي نفس الوقت هو منقصة في المرأة في حيائها وفي دينها، ومنقصة في تشوف الرجال إليها.
فإن الرجل الحر الأبي عادة لا يمكن أن يتعلق قلبه بامرأة فيها هذا الوصف، ولو وافقها في زمن غفلته فإنه لا يمكن أن يقبلها في زمن أوبته ويقظته وإدراكه، وهذا ظاهر لكل من يعقل العلاقة بين الرجال والنساء.
ثم قال جل وعلا في الأولى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠].
وهذه من قواعد القرآن، وقد أفرد لها العلامة ابن سعدي قاعدة خاصة في كتابه القواعد الحسان في فهم القرآن، وهو أن القرآن قد دل على أن الجزاء من جنس العمل.
وفسر الإحسان هنا بأنه: لا إله إلا الله، وفسر بأنه كل عمل صالح، والأفضل أن يفسر بأن المقصود به الإيمان والعمل الصالح، فجزاؤه الإحسان من الله، وأعظم إحسان من الله هو الجنة، وأعظم ما في الجنة رؤية وجه رب العالمين تبارك وتعالى.
ثم ختم الله جل وعلا هذه السورة الكريمة بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨]، وقد مر معنا أن (تبارك) فعل جامد لا يتصرف، فلا يأتي منه مضارع ولا أمر، وأعظم ما فيه أنه لا يقال لغير الله، فلا يقال لأحد غير الله: (تبارك) كائناً من كان، فهو من الأفعال الخاصة بالتعامل بالنعت به للرب العظيم جل جلاه.
ثم قال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨]، فبدأها الله باسم عظيم وهو: {الرَّحْمَنُ} [الرحمن:١]، وختمها بوصف عظيم وهو: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨].
هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، سائلين الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العمل بما نقول.
والحمد لله رب العالمين.