فمما تذاكروه من الدنيا قولهم:((إِنَّا كُنَّا قَبْلُ)) أي: في الزمن الماضي {فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦] أي: خائفين وجلين من عذاب الله تبارك وتعالى، والله جل وعلا لا يأمن مكره إلا القوم الخاسرون، ولا يقنط من رحمته إلا الضالون، فالمؤمن يجعل الخوف والرجاء كجناح الطائر، فالله جل وعلا لو أوكلنا إلى أعمالنا لهلكنا، ولكننا نسأل الله أن يكلنا إلى رحمته وفضله وعفوه؛ فإن الدنيا لا تطيب إلا بذكره جل وعلا، والآخرة لا تطيب إلا بعفوه، والجنة لا تطيب إلا برؤيته سبحانه وتعالى، فالله يخبر عنهم بأنهم يقولون:{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦]، فهذا الخوف الذي يعتري قلبك في الدنيا هو سبب الأمن يوم القيامة، أما من انكب على ظهره ومشى يبحث عن الشهوات ويقلب في الشبهات، ويؤذي هذا ويحارب هذا، ويكفر بالله، ويخرج من بار إلى بار، ومن شاطئ عراة إلى مثله، ومن قناة إلى قناة، ومن فضائيات إلى فضائيات، ويتلبس بالزنا واللواط والفواحش وغيبة العلماء أو غيبة الحكام، أو أذية المسلمين أو أخذ الرشوة، أو السرقة، أو ما شابه ذلك من المعاصي، ولا يخشى أحداً ولا يخاف ولا يرهب، وهو مطمئن بأنه لن يتسلط عليه أحداً، فلا يمكن أن يأمن عند الرب تبارك وتعالى.
وقد قام الربيع بن خثيم رضي الله عنه الليل كله يتلوا آية واحدة هي قوله تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:٢١]، وثبت في حديث صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة يقرأ آية واحدة من كتاب الله:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:١١٨].
فما زال نبينا صلى الله عليه وسلم يقرؤها حتى طلع الفجر صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا الخوف الذي يملأ قلوبنا نفرح به؛ لأن الخوف من الله جل وعلا أعظم وسائل نيل الأمن يوم القيامة، قال سبحانه:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن:٤٦] وقال جل ذكره: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات:٤٠]، وذكر تعالى الجنة ونعيمها ثم قال:{ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم:١٤] أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يخافه سراً وعلانية وغيباً وشهادة.