الإشكال في قوله تعالى:(إلا ما شاء ربك)، وهذا الإشكال أجاب عنه العلماء بأجوبة كثيرة، ذكر منها أبو العز الحنفي في شرح (العقيدة الطحاوية) أكثر من ثمانية أقوال، وغيره من المفسرين، وسردها الآلوسي في روح المعاني وغيره من العلماء.
والذي يظهر والله أعلم: أنها كلها أجوبة متكلفة، لا تستقيم، وإنما نختار الذي نراه صواباً فنقول: إن هذا القول من ربنا جل وعلا: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود:١٠٧] المراد به: بيان القدرة والمشيئة ودفع توهم أن يكون هذا واجباً على الله.
أما ما ذكره العلماء كقولهم:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود:١٠٧] يعني مدة بقائهم في أرض المحشر، أو مدة بقاء العصاة في الحساب وأمثال ذلك فهذا كله يصعب القول به، حتى من نقله قال: هذا أمر لا يستقيم.
فقوله تعالى:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود:١٠٧] مسألة مطلقة لله جل وعلا، والقرآن فيه محكم وفيه متشابه، ويرد المتشابه إلى المحكم، وقد أخبر الله في أكثر من آية محكمة وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم: أن أهل النار خالدين فيها أبد الآباد -عياذاً بالله- وأهل الجنة خالدين فيها أبد الآباد، قال الله:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود:١٠٨]، أي: غير مقطوع، فلا ينقطع ولا ينتهي، وهذا أمر أجمع الناس عليه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة، وقال:(لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم)، فهم خالدون فيها كما قال الله جل وعلا.
فالحق أن أهل النار خالدين فيها، وأهل الجنة خالدين فيها، أما قول الله:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود:١٠٧] فلبيان أن هذا الأمر غير لازم على الله تبارك وتعالى، ودفع توهم أن يكون واجباً على الله، ولبيان أن الأمر كله يرجع إلى قدرته ومشيئته وأمره ونفوذ ذلك منه، تبارك وتعالى.