للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً)

قال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٧ - ٥٩].

والعرب من جاهليتها كانت تعلم أنه لابد من الأصهار، والصهر هو من يتزوج ابنتك، ولكن كانوا يرون أن الصهر هو كل من يأخذ بنتك، فكانوا يقولون: أفضل صهر هو القبر، فلا يرتاح المرء منهم إلا إذا دفن ابنته خشية العار.

فالله يقول هنا عن بعضهم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل:٥٨] أي: تغير من الهم {وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل:٥٨ - ٥٩]، نسأل الله العافية.

{مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل:٥٩] يعني: على خفية، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:٥٩] وهذه التي تسمى الموءودة، قال الله: {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٩].

فهذه نظرة بعض العرب القدماء من الجاهليين، وكان جد الفرزدق يفدي الموءودات، فإذا جاء إنسان يريد أن يدفن ابنته حية يعطيه مالاً على أن تبقى البنت حية، فكان الفرزدق يفخر على جرير وعلى غيره من الشعراء؛ لأن جده في الجاهلية كان يحيي الموءودات، ولا شك في أن هذا عمل عظيم، حيث جاء الإسلام يذم هؤلاء، قال الله: {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٩]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من عال جاريتين حتى تبلغا كانتا له حجاباً من النار)، ووردت أحاديث كثيرة في فضل تربية البنات، والله جل وعلا يبتلي بالبنين ويبتلي بالبنات، ويبتلي بغيرهما، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:١٥]، ولكن المؤمن الحق يرضى بقضاء الله جل وعلا وقدره كيفما حل وأينما نزل.

ويروى في أخبار الناس المتداولة أن رجلاً رزق بست بنات ثم حملت زوجته فهددها -وكأن الأمر بيدها- بأنه إن كان الآتي بنتاً فسيطلقها، ثم رأى في المنام أنه في يوم المحشر يقاد إلى جهنم، فكان كلما جيء به إلى باب وجد ابنة من بناته ترده عن جهنم حتى انتهي به من ستة أبواب، ثم جيء به إلى الباب السابع فلم ير بنتاً، فأصبح ينادي: اللهم اجعلها بنتاً.

وهذه القصة قد تصح وقد لا تصح، ولا أستدل بالقصص على أنها أصل حتى لا نفهم خطأ، لا يصح أن يربى الناس على القصص، وإنما نستشهد بالقصص.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من عال جاريتين حتى تبلغا كانتا له حجاباً من النار)، وقال لـ عائشة لما أخبرته بأن امرأة قسمت التمرة بين ابنتيها: (إن الله قد أوجب لها بهما الجنة)، وغير ذلك من الأحاديث، وهذا الخبر الذي سقناه يدل عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

والإنسان لا يدري أين مكامن الخير فيما يعطاه أو فيما يمنع منه.

وما أدري إذا يممت أرضاً أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني هذا ما أردنا بيانه حول هذه السورة الكريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>