[تفسير قوله تعالى: (الرحمن)]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبياً عن أمته، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المؤمنون! فإننا نستعين الرب تبارك وتعالى في تفسيرنا هذا كما استعناه من قبل في تفسير ووقفات مع بعض كلامه جل وعلا، والسورة التي نحن بصدد تفسيرها هي سورة الرحمن.
إن المؤمنين يدركون بلا شك أن لهم رباً لا رب غيره ولا إله سواه، إليه يفزعون في الشدائد، وإياه يشكرون في السراء، فيعبدونه تبارك وتعالى ليلاً ونهاراً، يعبدونه بقلوبهم وجوارحهم، ويعلمون أن من أعظم الجور والظلم أن يجعلوا لله تبارك وتعالى نداً.
ثم إن هؤلاء المؤمنين -سلك الله بنا وبكم سبيلهم، وجعلنا وإياكم منهم- يعلمون يقيناً أن لربهم تبارك وتعالى أسماء حسنى وصفات علا، قال الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:١٨٠]، والرب تبارك وتعالى كما أن وجهه أكرم الوجوه، فإن أسماءه أعظم الأسماء وأحسنها وأكملها، وتدل على صفات عظيمة وجليلة لا يلحقها نقص له أبداً تبارك وتعالى.
ومن أسمائه الحسنى تبارك وتعالى الرحمن، ومن صفاته العليا جل وعلا: الرحمة، وهذه السورة الكريمة التي بين أيديكم صدرها الله جل وعلا بقوله: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:١ - ٩] إلى آخر ما ذكره الله من آيات عظيمة تدل على عظيم قدرته، وكمال رحمته، وجليل فضله تبارك وتعالى.
والرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، وبعض أسماء الله الحسنى قد يشترك معه المخلوق في إطلاقها عليه، مع الفارق بين إطلاقها على المخلوق وإطلاقها على الخالق، فيقال: إن الله رحيم، ويقال عن أحد الناس: إنه رحيم، كما قال الله جل وعلا في نعت نبينا صلى الله عليه وسلم: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
ويقال: فلان راحم، ويقال: إن الرب تبارك وتعالى راحم لخلقه، لكن الرحمن: اسم مختص بالرب تبارك وتعالى، فلا يسمى به ولا يطلق على أحد من خلقه أبداً.
والرحمن يدل على كمال اتساع رحمته، وجليل فضله، وإحسانه تبارك وتعالى على خلقه، فقد أوجدهم من العدم، ورباهم بالنعم، وهداهم النجدين، وأبان الله لهم تبارك وتعالى معالم الحق والهدى، وأظهر لهم على الوجه الآخر معالم الضلالة والزيغ والفساد، قال الله جل وعلا: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:١٠].