ينبغي أن يعلم طالب العلم أن الكلام عن الله جل وعلا ليس بالأمر السهل، فـ ابن القيم له كتاب مشهور اسمه إعلام الموقعين عن رب العلمين، فالفتوى الشرعية أمرها عظيم.
وسأذكر قصة حدثت في العصر الجاهلي، علق عليها الإمام الأوزاعي رحمة الله عليه تعليقاً عظيماً، هذه القصة تقول: كان هناك رجل في الجاهلية قبل الإسلام يقال له: عامر بن الظرب العدواني، كان هذا الرجل كامل العقل مسموع الكلمة مطاع حكيم، فالعرب إذا اختلفت يأتون إليه؛ فجاءه مرة ستة أو سبعة رجال وسألوه عن قضية في المواريث، وهي أنهم ابتلوا بشاب خُنثى له آلتان: آلة رجل وآلة امرأة، قالوا: أنت حكيم العرب والناس تأتيك فهل نعامل هذا على أنه رجل فنعطيه الميراث، أو أنثى فلا نعطيه ميراثاً؟ على عادة الجاهليين آن ذاك، فقال: والله! ما مرت بي مسألة مثلها، فأخذ يتفكر، وأدخلهم داره فجلسوا في بيته أربعين يوماً، وكان عنده جارية راعية اسمها سخيلة قد ضاق عامر منها، فقد كانت ترعى الغنم ولا تعود إلا متأخرة وهو يريد أن يحلبها فيتأخر عليه اللبن، فكل يوم يعاقبها ويعاتبها، فجاءته وهو متحير فقالت: ماذا بك؟ فضربها وزجرها وقال: ليس هذا إليك.
فظل أياماً على تلك الحالة، ثم قالت له الجارية: هؤلاء الضيوف أكلوا الغنم وكل يوم وأنت تذبح لهم، فكأنه رق لها وقال: أنا أقول لك القصة، وأخبرها بالقصة، فقالت: أتبع الحكم المبال، يعني: إذا كان يبول من آلة الرجل فعامله على أنه رجل، وإذا كان يبول من آلة الأنثى فعامله على أنه أنثى، فضع حكمك على بوله وتنتهي القضية.
فصار يمشي في الدار ويقول بيتاً من الشعر آخره: فرج الله عنك يا سخيلة! وفي معناه أنه لن يعاتبها بعد اليوم.
ودخل على ضيوفه وأخبرهم الخبر، وهذا الحكم الشرعي أثبته الإسلام اليوم، فالخنثى الذي له آلتان يتبع الحكم فيه على مباله، إن كان يبول من آلة الرجل يُعامل على أنه رجل، وإن كان يبول من آلة الأنثى يحكم له بأنه أنثى في الميراث، والذي قال هذا امرأة يقال لها: سخيلة.
والشاهد في هذه القصة قول الأوزاعي رحمه الله: فهذا رجل مشرك لا يخاف الله ولا يرجو الجنة ولا يخاف ناراً يتوقف في حكم أربعين صباحاً يخاف أن يقول خطأ، فكيف بمن يتكلم على لسان الله ولسان رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ولهذا من أعظم ما يدل على قوة طالب العلم الحقيقي أن يتريث في الفتوى وأن لا يستعجل، وأن لا يتصدر قبل أوانه، وأن لا يحكم حتى يتبين له الأمر.