فأخذت السفينة تجرى بهم، فرأى ابنه كنعان فأخذ يناديه، حيث أدركته عاطفة الأبوة، فقال:{يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}[هود:٤٢].
فالابن نسي أن المسألة مسألة عقوبة، وأعظم من الذنب الذي ترتكبه عدم شعورك بأن الله سيعاقبك عليه، كإنسان تحته أجراء يظلمهم ليل نهار ولا يعطيهم حقهم، أو كان تحته طلاب لا يحسن تعليمهم، أو زوجات يظلمهن، أو جيران يؤذيهم، أو عنده كذا وكذا من المظالم، ثم يبتلى بمرض خبيث، أو بحرق، أو غير ذلك، فيأتيه من يواسيه فيقول: هذا رفع درجات، وهو لا يدري ما حاله، ولكن العاقل يعرف ذنوبه ومعاصيه، وقد كان السلف لقلة ذنوبهم تأتيهم المصيبة فيعرفون الذنب الذي بسببه أصابتهم.
فابن نوح أخذ يتكلم بأشياء بدهية، فل وحصل السيل ونحن بمكان فإنا سنذهب إلى الجبل، فقول ابن نوح:{سَآوِي إِلَى جَبَلٍ}[هود:٤٣] قول بدهي.
إلا أن الطوفان لم يكن شيئا طبيعياً، بل كان عقوبة لأهل الكفر واستجابة لدعوة نوح:{رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:٢٦].
قال تعالى:{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[هود:٤٣].
و (عاصم) هنا فاعل بمعنى مفعول، يعني لا معصوم اليوم إلا من رحم الله، والعرب تعبر بالفاعل عن المفعول، وتعبر بالمفعول عن الفاعل، قال الله جل وعلا:{إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا}[مريم:٦١] أي: آتيا، وليس مفعولا به، ويقال: فلان قتيل، أي: قاتل، ويقال فلان قتيل، بمعنى: مقتول.
والمقصود أن (عاصم) هنا بمعنى معصوم، أي لا معصوم اليوم إلا من رحمه الله.
قال تعالى:{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ}[هود:٤٣] أي: بين الأب وابنه: {فَكَانَ}[هود:٤٣] أي: الابن {مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:٤٣].