فلما أنهى الله جل وعلا دمغ حجج أهل الكفر بشّر نبيه وأمره بالاستعانة بأمرين، فقال له:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}[الطور:٤٨ - ٤٩] فأمر الله نبيه بأمرين حتى يعان على الدعوة: الأول منهما الصبر، والثاني التسبيح بحمد الله.
فأما الصبر فإنه لا يمكن أن يدعو أحد إلى الله حتى يؤذى، فأمره الله جل وعلا بالصبر على ما يناله من أذى المشركين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم صابراً، ولذلك عد من أول أولي العزم من الرسل الذين كانت لهم مواقف صبر دون غيرهم من الأنبياء عليهم السلام جميعاً، وقد أوذي عليه الصلاة والسلام فقال:(رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) وأراد الله أن يبين لنبيه قربه منه ونصرته إياه فقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور:٤٨].
أي: على منظر ومرأى من الله؛ فإن الله يراك ويسمعك ويؤيدك وينصرك ويحفظك ويحرسك ويعينك ويوفقك.
ثم قال تعالى:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}[الطور:٤٨ - ٤٩] ذكر الله للتسبيح ثلاثة مواضع: الأول: إدبار النجوم، والثاني:(ومن الليل) أي: بعض الليل، والثالث:(وحين تقوم).
أما (حين تقوم) فاختلف العلماء فيها، فذهب ابن مسعود رضي الله عنه إلى أن المراد عندما تقوم من مجلسك، وبعضهم قال: عندما تقوم من النوم، ويؤيده أنه روى البخاري في صحيحه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من تعار من الليل) أي: أوقض إما بصوت أو بغيره فقام من الليل، (من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإذا توضأ وصلى قلبت صلاته).
وإدبار النجوم اختلف العلماء فيه وأظهر الأقوال أن المقصود به ركعتا الصبح القبلية التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما:(ركعتا الفجر -أي: سنة الفجر- خير من الدنيا وما فيها).
هذا ما تهيأ إيراده وقوله حول سورة الطور، نفعنا الله وإياكم بما قلناه، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.