للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نفي الشفاعة بغير إذن الله، وبيان سعة علمه تعالى]

قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥] هذا استفهام إنكاري، أي: لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه؟! قال الله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥].

والعلوم أربعة: علم ماض، وعلم حاضر، وعلم مستقبل، وعلم لا يكن كيف يتصور كونه، فهذه العلوم الأربعة يعلمها الرب تبارك وتعالى، قال الله في هذه الآية: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:٢٥٥] وهذا يشمل كل علم، وأما العلم الرابع -وهو أنه يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون- فيدل عليه نحو قول الله جل وعلا: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:٤٧]، فالله يتكلم عن المنافقين، فهؤلاء المنافقون لو خرجوا لم يزيدوا المسلمين إلا خبالاً مع أن المنافقين لم يخرجوا، ولكن الله أخبر بأنه لو كان منهم خروج لكان حالهم ذلك، وقال الله عن أهل النار عياذاً بالله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:٢٨]، ومعلوم لكل مسلم أن أهل النار لن يخرجوا من النار ولن يعودوا إلى الدنيا، لكن الله يخبر بأنهم لو عادوا فعلى أي حال سيكونون، فهذا معنى قولنا: إن الله يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.

قال الله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥]، فكل من لديه علم فالذي علمه هو الله، ولا يمكن لأحد أن يأتي بعلم لم يشأ الله له أن يعلمه، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:٧٨] فأول طرائق طلب العلم أن تطلبه منه سبحانه وتعالى، ولا يأتي العلم بمداد ولا بصحيفة ولا بالتتلمذ، ولا يأتي بشيء أكثر مما يأتي بالاستعانة بالرب عز وجل، فمن أخلص لله النية واستعان بربه على الوجه الأتم عَلَّمه الله جل وعلا وساق إليه العلم ماء زلالاً، ومن ساءت نيته -والعياذ بالله- أو اعتمد على قلم ومحبرة وصحيفة ومداد وزيد وعمرو وشريط وشيخ اعتماداً كلياً وأغفل جانب الاعتماد على الله لم ينل من العلم إلا بقدر ما يريده الله جل وعلا، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>