وقوله تعالى:{هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}[المائدة:١١٢] المائدة: الطعام الموجود في مكانه المعد للأكل، وهو لا يخلو من أن يكون على أحد حالين: فإن كان على خوان -وهو الذي يسمى اليوم طاولة الطعام- يسمى مائدة، ولا يسمى مائدة إن لم يكن عليها طعام.
وإن كان على ما يسمى اليوم بالسفرة -وهي كلمة فصحى- سمي كذلك مائدة، فإن كانت السفرة خالية من الطعام لا تسمى مائدة.
فالمقصود أن الحواريين طلبوا طعاماً.
وإذا عرجنا على الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام فقد ثبت عنه -كما عند البخاري من حديث أنس - أنه (لم يأكل على خوان قط) أي: ما يسميه اليوم الناس طاولة طعام، نقله أنس رضي الله عنه وهو خادم نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا يعني هذا التحريم قطعاً؛ لأن الفعل المجرد لا يدل على حكم، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان نبياً عبداً ولم يكن نبياً ملكاً، وكان الأكل على الخوان من دأب الملوك، فكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل حتى يكون أقرب إلى العبودية، والحديث رواه البخاري عن أنس، ولكن الذي روى الحديث عن أنس هو قتادة بن دعامة السدوسي المشهور، فقال: حدثني أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث وفيه ثلاثة أشياء، ومنها:(وما أكل على خوان قط)، فقيل لـ قتادة: على أي شيء كانوا يأكلون؟ فقال: على السفرة.
والسفرة في القديم كان لها معاليق، فيجمع بعضها مع بعض وتعلق، ويوضع فيها الطعام أحياناً؛ لأن طعامهم كان غالباً ليس مما يحفظ في الثلاجات اليوم، وإنما غالب الطعام تمر أو شيء يحفظ، فكان يوضع بعضه في السفرة فتعلق، فإذا وضعت بين أيدي الناس مدت، فإذا مدت أسفرت عما فيها، فلما كانت تسفر عما فيها سميت سفرة، وقيل: إن السفرة اسم للطعام، ولكن الأول أقرب فيما نعلم.
فهذا هو الطلب الذي تقدم به الحواريون إلى عيسى، فقال لهم عيسى:{اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[المائدة:١١٢] وكأنه عليه السلام استعظم الطلب.