يقول الله جل وعلا في صدر هذه السورة:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[النحل:١]، الفعل (أتى) بالإجماع فعل ماض، والشيء إذا مضى وانتهى لا يقال فيه لا تستعجل؛ لأنه قد قضي وانتهى، فقول الله جل وعلا:(فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) قيد يدل على أنه ليس المقصود أن هذا الأمر قد وقع؛ لأنه لو كان قد وقع فعلاً فلن يقال فيه (لا تستعجلوه) وإنما يقال: (لا تستعجل) في الشيء الذي لم يحصل بعد، لكن الأمر هنا المقصود به على الصحيح -والله أعلم- عذاب الكفار يوم القيامة، وهو الذي كان يرقبه كفار قريش، وقيل: ما قبل ذلك من الهلاك، ولكن الأرجح أن هذا الأمر لم يقع، ولكونه متحقق الوقوع جعله الله جل وعلا بمنزلة الشيء الذي وقع.
وهذا النوع من الكلام لا يمكن أن يقدر عليه إلا الله؛ لأن أي أحد يقول عن شيء: إنه سيقع، فإنه قد يقع خلاف الذي قال، فلا يقدر على مثل هذا القول إلا الرب تبارك وتعالى.
والله يقول لنبيه:{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}[الكهف:٢٣ - ٢٤]، إلى آخر آية سورة الكهف.
والذي يعنينا هنا أن هذا الأمر يدل على عظمة ربنا تبارك وتعالى، وأن الله أنزل هنا الأمر المتحقق الوقوع منزلة الشيء الذي وقع.