الأذان في اللغة: هو الإعلام، وهذا الأذان تولاه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميراً على الحج، فلما وصل أبو بكر إلى ذي الحليفة بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعده علياً، وقد حج أبو بكر بالناس على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً بمقدمة سورة براءة، فانطلق حتى لحق بـ أبي بكر بذي الحليفة المسماة اليوم بأبيار علي، ولا علاقة لـ علي بها، وإنما جاءت التسمية متأخرة، أما على عهد الصحابة والتابعين فلم تكن تسمى بأبيار علي.
والذي يعنينا أنه وصل علي إلى أبي بكر، فقال أبو بكر لـ علي -وهذا من أدب الصحابة-: أمير أم مأمور؟ فقال علي رضي الله عنه: بل مأمور.
ولما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتبرأ من أهل الإشراك، وأن يبين حاله مع مشركي العرب، وأن الإسلام دين واضح لا خداع فيه ولا تمويه، لما أمر الله نبيه بأن يفعل ذلك كانت العادة جارية بأن مثل هذه الأمور لا يبلغها إلا الرجل بنفسه أو رجل من عصبته، ولا شك في أن علياً -من حيث القرابة والعصبة واللصوق بالنبي صلى الله عليه وسلم- أقرب من أبي بكر، وإن كان أبو بكر أفضل من علي قطعاً، ولكن علياً ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، بل ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم من كل أحد؛ لأنه زوج ابنته، وتربى في حجره، وهو ابن عمه، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: لم يجمع لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص ما جمع لـ علي.
وهو الذي تولى غسله عليه الصلاة والسلام، فالصحابة الذين كانوا من آل البيت لم يكونوا كذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاته، يعني: فـ العباس كان يسند يده لظهر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي كان يباشر الغسل هو علي رضي الله عنه، ولما نزلوا في قبره عليه الصلاة والسلام كان علي هو الذي باشر دفنه صلوات الله وسلامه عليه، فـ علي من حيث القرابة ألصق بالنبي صلى الله عليه وسلم -فيما نعلم- من كل رجل، وإن كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وله مزية، ولكن تأخر إسلام العباس جعل لـ علي تلك السابقة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم حال العرب الذين لهم أعراف وعادات يحكمها النظام القبلي القديم، فبعث علياً بفواتح سورة براءة مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فكان الأمير أبا بكر، وكان تبليغ البراءة مسنداً إلى علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.