الخطاب هنا في الأصل لكفار مكة، والقضية المراد إثباتها هي قضية البعث والنشور، ولن يكون بعث ونشور حتى تكون القيامة، ولن تكون قيامة كبرى حتى تكون قيامة صغرى، والقيامة الصغرى بالنسبة للفرد الواحد هي موته، فمن مات قامت قيامته، ثم القيامة الكبرى، ثم الساعة، والساعة تطلق على قيام الناس مرة أخرى.
فالله جل وعلا يخبر بقرب الساعة، حيث قال تبارك وتعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:١].
فالله جل وعلا هو الذي خلق الساعة، وهو الذي خلق القيامة، وإذا كان -جل وعلا- هو الذي خلقها، وهو أعلم بها متى تكون، فقد أخبر جل وعلا بأنها اقتربت، فهذا من أعظم الأدلة -وكفى به دليلاً- على أن الساعة اقتربت، ولا يلجأ لدليل خارج القرآن إلا من باب الاستئناس، فأعظم الأدلة على أن الساعة اقتربت قول الله:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}.
وطالب العلم منظم في أدلته، يسرد من القرآن ما هو ظاهر، ثم ينتقل إلى سرد السنة، ثم ينتقل إلى أقوال الصحابة وإجماع الأمة، وهكذا، ولكن يبدأ بالأصل العظيم وهو القرآن، ولذلك نقول: إن الساعة اقتربت بدليل أن الله قال: ((اقْتَرَبَتِ)).
وأما الأدلة غير هذا الدليل فهي كثيرة، فمن الأدلة العقلية على ذلك أن هذه الأمة هي آخر الأمم ونبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فليس بعد ذلك إلا أن تقوم الساعة، قال صلى الله عليه وسلم:(بعثت أنا والساعة كهاتين) وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى.
والمقصود من هذا المثال أننا لو فرضنا أن هذين الإصبعين يشيران إلى الجدول الزمني؛ فإن الفارق بين مبعثه صلى الله عليه وسلم وبين الساعة من الزمن كالفارق بين أعلى السبابة وأعلى الوسطى، فهما يكادان يتقاربان في الطول، وهذا كله يدل على اقتراب الساعة، ولذلك عبر عنها القرآن بقوله:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}[الأنبياء:١]، وقال في آية أوضح:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}[النحل:١]، فعبر الله بـ (أتى) لتحقق وقوعه، وهذا شيء، ولقرب وقوعه، وهذا شيء آخر.