[تفسير قوله تعالى: (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي)]
ثم إن نوحا أدركته عاطفة الأبوة، فلما انتهى الأمر نادى فقال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:٤٥] أي: أنك ستنجي أهلي {وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:٤٥]، وهذا توسل إلى الله.
فوعظ الله نوحاً وأدبه: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:٤٦].
فالذي فرق بين نوح وابنه هو الكفر؛ وإن كان ابنه من صلبه؛ كما قال ابن عباس: (والله ما خانت زوجة نبي قط)، فيستحيل أن تخون زوجة نبي الله زوجها في عرضه، ولكن يقع منها الكفر، والأمر قد يعظم من جهة ويهون من جهة أخرى، فكونها تكفر بالنسبة لنوح أهون من أن تزني، وإن كان الزنا أقل جرماً من الكفر.
قال تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:٤٦] وفي قراءة: (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ) {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:٤٦].
فتأدب {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا} [هود:٤٧ - ٤٨].
والسلام هنا تام؛ لأنه لا يوجد وقتها على ظهر الأرض كافر.
قال تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هود:٤٨] حتى سائر الدواب التي كانت مع نوح أدركتهما البركة.
وقوله تعالى: {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} [هود:٤٨] أي: سيأتون بعد أجيال {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود:٤٨].
قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:٤٩].
فما أمر الله نبيه بأعظم من الصبر، وبالصبر ينال الإنسان -بفضل الله- ما يريد.
هذا ما أردنا بيانه وتهيأ إيراده، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله.