إن الآية إذا كانت ظاهرة وأقيمت الحجة ينقطع العذر، فإذا انقطع العذر لا يقبل عند الله إلا الإيمان، فإما إيمان وإما كفر أو ينزل العذاب.
ولنرجع في بيان هذا إلى سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ففيها أن النبي عليه الصلاة والسلام -كما في مسند أحمد من طريقين كلاهما جيد- طلبت منه قريش أن يجعل لهم الصفا ذهباً فقالوا: إن جعلت الصفا ذهباً آمنا بك.
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو أن يجعل الله الصفا ذهباً حتى يؤمنوا، فبعث الله إليه جبرائيل أو ملكاً غيره فأخبره بأنه لو جعل الله الصفا ذهباً ولم يؤمنوا فإن الله سيهلكهم عن بكرة أبيهم.
وإذا هلكوا عن بكرة أبيهم فلن يكون منهم مؤمنون، ولكن إذا بقوا ولم يهلكهم الله فهناك أمل في أنهم يؤمنون أو يأتي من ظهورهم من يؤمن.
فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقوا على حالهم حتى يؤمن منهم من يؤمن أو يخرج الله من ظهورهم من يؤمن بالله ومن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ولذلك قال الله في سورة الإسراء:{وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}[الإسراء:٥٩].
والله إذا أراد أن يرحم أمة أمات نبيها قبل إهلاكها، فيكون النبي فرطاً سابقاً لأمته، وإذا أراد الله أن يهلك أمة أبقى نبيها حياً وأهلكها ونبيها ينظر؛ ليكون ذلك أقر لعينه، كما هو دأب الله في سنن الأنبياء الذين قبلنا، فقوم صالح، وقوم نوح، وقوم لوط كلهم أهلكوا وأنبياؤهم ينظرون إليهم، قال الله جل وعلا عن قوم صالح:{وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[النمل:٥٣] بعد أن أخبر أنه أهلك قومه، وكذلك قال الله عن شعيب، وكذلك الله قال عن عاد وغيرهم من الأمم، وهذا ظاهر.