ثم ذكر الله جملة من الأنبياء سيأتي بيانهم على التفصيل فقال تعالى:{كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}[النساء:١٦٣] فنوح أول رسل الله جل وعلا إلى الأرض، وقد أثنى الله جل وعلا عليه في القرآن وأسماه عبداً شكوراً.
والأصل أن الله خلق الناس على فطرة واحدة منذ أن كان أبوهم آدم عليه السلام، فمكثوا على هذا الحال -كما يقول ابن عباس وجمهرة المؤرخين- عشرة قرون، ثم اجتالتهم الشياطين فصرفتهم عن طاعة الله، فبعث الله جل وعلا أول رسول، وهو نوح، والدليل على أنه أول الرسل ثابت في السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قيام الناس وحديث الشفاعة قال:(إن الناس يأتون نوحاً فيقولون: يا نوح! أنت أول رسل الله إلى الأرض، وسماك الله في كتابه عبدا شكوراً) فهو أول رسل الله بالاتفاق، وهو أطول الأنبياء عمراً، عاش ألفاً وتزيد، قيل: ألف ومائة وخمسون، وما ذكره الله جل وعلا في كتابه في قوله:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت:١٤] فهو العمر الدعوي وليس عمر حياته كلها، فقول الله:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}[العنكبوت:١٤] أي: يدعو إلى الله، بدليل أن الله قال بعدها:{فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}[العنكبوت:١٤ - ١٥] فهذه دلالة على أن نوحاً عاش بعد هذه المدة، ويحسب معها المدة التي كانت قبل أن ينبأ صلوات الله وسلامه عليه، والمقصود أنه شيخ المرسلين، وهو الأب الثاني للبشر، والأب الأول للأنبياء بعد آدم صلوات الله وسلامه عليهم.