ومن البشارة الكلمة يسمعها الإنسان، من غير أن يبيّت حسباناً لها، يعني: من غير أن يبيّت أن يسمعها، فيلقاها في طريق أو حدث يراه بعينه، وهذه أمور دقيقة لا يمكن شرحها، لكن تراها في حياتك العامة، فالنبي عليه الصلاة والسلام أقبل على خيبر، فلما صلى الفجر قريباً من خيبر ونظر إلى خيبر وكانت اليهود محمية لهم خيبر، ويخشى على المدينة منهم، رأى أهل خيبر بيدهم المساحيق، وهي أداة هدم، فلما رآها استبشر صلى الله عليه وسلم، فهذا من البشرى، ففرح وقال:(الله أكبر خربت خيبر)؛ لأن رأى في أيديهم أداة هدم، وهو جاء ليهدم خيبر، فتحققت تلك البشرى، فلما رآهم قال:(الله أكبر خربت خيبر)، فخربت خيبر كما قال عليه الصلاة والسلام.
وقيل: إنه لما قدم عليه الصلاة والسلام إلى المدينة رأى قوماً لا يعرفهم، ومعه أبو بكر وهو هارب من مكة وخارج من قومه يريد الأمان في المدينة، فقابل رجلاً قال له:(من أنت؟ قال: بريدة)، فاستبشر صلى الله عليه وسلم، والتفت إلى أبي بكر وقال:(برد أمرنا) ثم قال: (ابن من؟ قال: ابن أسلم.
قال: أبشر يا أبا بكر سلمنا) أخذها من الاسم، فهذا نوع من البشارة يحصل في الإنسان وهو قادم، أو رائح، ولما أقبل سهيل بن عمرو في معركة الحديبية والنبي عليه الصلاة والسلام يعرف سهيلاً من قبل، وهو قادم للصلح، وكان النزاع قد اشتد، ودعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيعة الرضوان تحت الشجرة لما أشيع أن عثمان قد قتل، فلما رآه النبي عليه الصلاة والسلام وعرف أن قريشاً بعثت سهيلاً قال لأصحابه:(أبشروا؛ سهل أمركم)، أخذها من اسم سهيل، فهذا نوع من البشرى الذي يعطاه المؤمن في الحياة الدنيا، فهذه أمور لا يمكن حصرها في شيء معين، لكنها أمور عديدة تحصل للمؤمن، وقد وعد الله جل وعلا المؤمنين بها بنص القرآن، قال سبحانه:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[يونس:٦٤].