[تفسير قوله تعالى:(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)]
ثم قال الله جل وعلا بعدها:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}[النساء:١٥٩]، هذه الآيات إحدى معضلات القرآن؛ لأن تفسيرها غير واضح، فهذه الآية تحتمل عدة تفاسير، وإلى الآن لم أقف على تفسير مقنع، ولكن نقول جملة ما قاله أهل العلم، فالله تعالى يقول:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}[النساء:١٥٩] والمعنى: لا أحد من أهل الكتاب {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}[النساء:١٥٩]، فهنا ضميران، الهاء في (به) والهاء في (موته)، فعلى من يعود كل منهما؟! إن هذا هو موضع الإشكال، فتحتمل الآية أن يكون المعنى: ما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به -أي: بعيسى- قبل موته، أي: قبل موت الكتابي، فيكون الضمير في (به) عائداً على عيسى، والضمير في (موته) على عائداً على الكتابي.
فيصبح معنى الآية: أنه ما من يهودي ولا نصراني تغرغر روحه إلا وهو يؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله، إلا أنه يؤمن ساعة الاحتضار، فلا يقبل منه، وهذا مروي عن ابن عباس، وقال به كثير من العلماء، ولكن يصعب تصوره.
ويحتمل أن المعنى: ليس من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن بعيسى قبل موت عيسى، أي: ينزل مرة أخرى فيؤمنون به، ولكن يأتي الإشكال في قول الله:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}[النساء:١٥٩] أي: لا أحد من أهل الكتاب، وقد مات جم غفير من أهل الكتاب قبل أن يروا عيسى، وقد نموت نحن قبل أن ينزل عيسى، فهذا هو الإشكال على التفسير الثاني.
وبقي تفسير لعله أقربها إلى الصواب، وهو أن معنى الآية: ما من كتابي يبقى حياً إلى يوم نزول عيسى إلا ويؤمن به.
وهذا فيه إشكالية أخرى، وهي أن اليهود من أهل الكتاب، ولا يؤمنون بعيسى حتى بعد نزوله، فيبقى تفسير الآية إلى يومنا هذا -في علمنا- غير واضح، وإنما نقلنا ما ذكره أهل التفسير، وإذا أوقفنا الله جل وعلا على شيء آخر سنخبر به في حينه.