للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين)]

ثم قال الله جل وعلا: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١١٦] إلى آخر السورة.

هذا الموقف موقف في الآخرة، أما موقف المائدة فكان في الدنيا، فهذا موقف في الآخرة وإن قال بعض العلماء: إنه موقف دنيوي، وقولهم بعيد، فكونه جاء بصيغة الماضي لا ينفي أنه سيكون يوم القيامة.

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ} [المائدة:١١٦] ونحن نعلم أن الله يعلم أن عيسى ابن مريم لم يقل هذا للناس، والله ما أراد بهذا السؤال توبيخ عيسى، وإنما أراد الله تقريع النصارى وتوبيخهم في يوم العرض الأكبر على ما اتهموا به نبيهم كذباً أنه دعاهم إلى عبادة نفسه وإلى عبادة أمه، وقالوا بالأقانيم الثلاثة، وزعموا أن المسيح ابن الله، فأراد الله جل وعلا أن يبطل كيدهم ويظهر كذبهم على ملأ من الأشهاد بنطق عيسى نفسه، وذلك في يوم حشر العباد، ويوم الحشر يوم عظيم، وفي حديث الشفاعة أن الأنبياء يقولون جميعاً: (إن الله غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) فيتدافعون الشفاعة حتى تصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، فالموقف موقف جليل وخطب عظيم ودعاء النبيين يومئذ: (اللهم سلم سلم)، ففي هذا الموقف يسأل الله جل وعلا عيسى: (أَأَنتَ) والهمزة الأولى للاستفهام، والهمزة الثانية من أصل الكلمة، {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:١١٦].

والمتبادر إلى الذهن أن المفروض يقول عيسى: لا، أو يقول: لم أقله.

<<  <  ج: ص:  >  >>