وقد كان هناك رجل -وهذا من باب العبرة- يقال له: عبد الله القصيمي، وكان يسكن في القصيم، ثم سافر إلى الأزهر قديماً وعمر إلى التسعين، ومات قبل عدة سنوات في الأردن، وكتبت الصحافة عنه شيئاً كثيراً، لكن نتكلم هنا على الفتنة، فلما سافر من القصيم درس في الأزهر، فجاء أحد علماء الأزهر كتب كتاباً يقال له: الدَّوَجي، وهذا الكتاب في قضايا جواز التبرك بالأضرحة ودعاء الأولياء، فرد عليه هذا الشيخ آنذاك وهو طالب في الأزهر، فلما رد عليه قرر الأزهر فصله بعد جلسات علمية لمجلس الجامعة، وكان الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار حياً آنذاك فحاول أن يقف معه، وأن يعضده، لكنه لم يستطع أن يفعل له شيئاً، لكن الشاب آنذاك لم ييأس وألف كتباً جعلت له مكانة علمية آنذاك، ثم ظهرت سوريا رجل شيعي ألف كتاباً يخاصم فيه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فرد عليه صاحبنا بكتاب اسمه:(الصراع بين الإسلام والوثنية) في ٢٥٠٠ صفحة أظهر فيها قدرة علمية خارقة، وحججاً عقلية قلما يصنعها أحد من أهل زمانه، ففتن الناس بعلمه، حتى إنه في إحدى خطب الحرم المكي ذكره الإمام على المنبري يثني على الكتاب، وعلى صاحبه.
صراع بين إسلام وكفر يقوم به القصيمي الشجاع إلى آخر القصيدة.
وقال العلماء آنذاك للملك عبد العزيز رحمه الله وكان حياً: قالوا له: إن القصيم بكتابه هذا دفع مهر الجنة، بناءً على ما في الكتاب من قدرات في الرد على الوثنية، وإعلاء لشأن الإسلام، ففتن الناس به فترة ثم خابوا، فكأنه كان يرجو أن يكون له عند الناس مكانة أعظم مما تلقاها من الناس، فبعد ذلك رجع إلى مصر وسكن فيها وخالط قوماً من أهل الفساد: فساد الفكر، فألف كتاباً يتبرأ فيه نسبياً من كلامه الأول، ثم عياذاً بالله ارتد صراحة وألف كتاباً أسماه:(هذه هي الأغلال)، واتهم الدين كله بأنه غل، وتكلم حتى في الرب جل جلاله.
وجلس ذات يوم أمام رئيس الوزراء المصري آنذاك وكان موجوداً الشيخ محمد متولي الشعراوي العالم المصري المعروف، وكان يومئذ في أول زمانه، فجلس يتناقشان فإذا بهذا القصيمي الذي ألف كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية، يسخر حتى من الله، فلم يستطع الشعراوي أن يرد عليه؛ لأن هذا الإنسان الذي أمامك لا يريد حق، فهو صاحب جدل، والله يقول:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى:٩]، فإن لم تنفع فاخرج، فخرج الشعراوي رحمة الله عليه وهو يتلو:{إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}[النساء:١٤٠].
ثم مكث هذا الرجل يؤلف كتباً كلها سب للدين، وسخرية بالله ورسوله بعد أن ألف كتاباً أثني عليه في حرم مكة، فأمر الملك عبد العزيز العلماء آنذاك في الصحافة أن يتبرءوا منه، وأصدر العلماء في ذلك العصر كثيراً من الكتب التي ترد عليه عياذاً بالله، ثم عاش في الأردن فترة حتى قبل عدة سنوات مات عن قرابة تسعين عاماً، فجاءت الصحف هنا للأسف تتكلم عنه، وقد كان له كتب في الروايات، فله رواية اسمها: مدن ملح، ممنوعة سياسياً، والصحفيون غالبهم ينشأ متأخراً، ولم يقرأ شيئاً من القديم ولم يطلع، وبعضهم -عفا الله عنا وعنهم- ليس لديه غيرة عن الدين، لعدم العلم، فالمقصود: أن هذه نظرة للإنسان في أن يتأمل ما حوله؛ حتى تستريح ولا تفتن نفسك بأي مخلوق، ولا تعلق قلبك بأي مخلوق؛ لأن الله لما ذكر أهل الولاية قال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:٦٣]، فنسب الولاية الشرعية إلى الإيمان به جل وعلا، وإلى تقواه سبحانه وتعالى.