وقول ربنا جل وعلا:{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:٩] فيه دلالة على أن الله تكفل بحفظ القرآن، وقد أيد الله هذا المعنى في آيات كثيرة، قال سبحانه:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:٤٢] وهذا أمر متفق عليه، وينبغي أن يقال بعد ذلك الأسباب التي جعلها الله حافظة للقرآن؛ لأن الله جل وعلا إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه، فلكي يبقى القرآن محفوظا لا بد من أن يهيأ الله جل وعلا أسباب حفظه، فالقرآن أول ما نزل نزل منجماً مفرقاً على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب، والذي لا يجيد الكتاب يعتمد على حفظه، فلما كان جبريل أول الأمر ينزل بالقرآن كان النبي يخالج جبريل بالقراءة خوفاً أن يتفلت منه ما يملى عليه، فطمأنه الله فقال:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة:١٦ - ١٩].
فتكفل الله بحفظه في قلب نبيه وإفهام معناه لنبينا صلى الله عليه وسلم، فكان بعد ذلك صلوات الله وسلامه عليه إذا أقرأه جبريل القرآن لا يخالج ولا يخالط ولا يراجع جبريل؛ لأن الله جل وعلا طمأنه بأن يحفظ القرآن، ثم أذن عليه الصلاة والسلام بكتابة القرآن.