[تعظيم المساجد بالتوحيد]
والمساجد مكان تعظيم، ولا يعظم فيها إلا الله، فلا يجوز لأحد أن يجعل من المساجد طريقاً لتعظيم أحد كائناً من كان، ومن تعظيم الله فيها أن يقرأ القرآن ويقال الدعاء وذكر الله والصلاة في المقام الأول، وحضور الجمعة، وحضور الجماعات، فهذا هو المعنى الحرفي لقول الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨].
وقال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وقد شاع في الأمة -عياذاً بالله- اتخاذ بعض القبور مساجد، فتؤم وتقصد كما تؤم المساجد.
فنحن نسمع في هذه الأيام بما يسمى بالنجف الأشرف، والنجف أرض خارجة عن الكوفة، الكوفة، وكانت الكوفة معقلاً لـ علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حين ترك المدينة إلى الكوفة، وقتل علي رضي الله عنه شهيداً على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي في الكوفة.
لا يوجد ثبت تاريخي يؤكد مكان دفن علي، ولكن من الروايات التي نُقلت أنه دفن بظاهر الكوفة، وهذا منقول عند أهل السنة، ولم يكن يعلم قبره رضي الله عنه وأرضاه مدة من الزمن.
ثم: إن هارون الرشيد الخليفة العباسي -كما قيل- خرج للصيد، وكانت عاصمة هارون بغداد، وبغداد في العراق فك الله أسرها، فخرج هذا الخليفة -فيما يزعمون- حتى وصل إلى ظاهر الكوفة، وهناك اكتشف قبر علي بظاهر الكوفة في المنطقة التي تسمى النجف، فأخذ يتردد عليه ويزوره، ثم كان أحفاد علي رضي الله عنه من الأئمة عند الشيعة - مثل موسى الكاظم وجعفر الصادق - يدفنون غير بعيدين عنه، أي: في العراق.
ثم مع الأيام جاءت دول فيها وزراء يتبنون المذهب الشيعي، فبني على القبر قبة، ثم بعد ذلك بني مسجد، ثم ما زال الأمر يتطور تاريخياً بحسب قوة نفوذ الشيعة، ثم بني بناء يحيط بالقبر أشبه بالبناء الذي بنته الدولة على الحرم المكي، فما بين الكعبة وبين المسجد يسمى صحن الكعبة، فأنت حين تذهب إلى مكة تقول: أريد أن أصلي في السطح، أو: أريد أن أصلي في الصحن.
ويقصد بالصحن المسافة التي بين الكعبة وبين البناء.
وهذا البناء لم يكن موجوداً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد أبي بكر، وإنما بني في عهد عمر، وأول من أحاط المسجد بالبناء هو عمر رضي الله عنه.
فالشيعة بنو على قبر علي مثل الحائط، وجعلوه على دورين، فجعلوا الدور الأعلى حوزة علمية يدرسون فيها، فأصبحت المساحة التي بين القبر نفسه وبين البناء أرضية صحن، فسموها بالصحن، ثم سميت بالصحن الحيدري نسبة إلى علي رضي الله عنه؛ لأن علياً من أسمائه حيدر، وهو القائل يوم خيبر: أنا الذي سمتني أمي حيدرة ليث غابات كريه المنظرة ثم جاءت كلمة الأشرف اعتقاداً منهم أن هذا المكان يشرف بوجود علي رضي الله تعالى عنه، فمع الأيام أصبح يسمى بالنجف الأشرف، وأقول هذا حتى تفقه الحال حين تسمع أخبارهم، بصرف النظر عما يكون، فالأمريكيون عدو ظاهر لا جدال فيه، فلا يفرقون بين سنة وشيعة، وليس هذا مجال الكلام، ولكن الذي أريد أن أقوله هو أن الأمة ينبغي عليها أن توحد ربها، ولا تعظم إلا خالقها، ولو قدر أن علياً رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا وإياه مع نبينا صلى الله عليه وسلم قام من قبره؛ لكان أول من ينكر هذا الصنيع على قبره.
وهذا مقصودنا من قول الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨].