للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إبراهيم الخليل يخشى على نفسه وذريته من عبادة الأصنام]

فنقول: إن إبراهيم كان لين القلب عليه الصلاة السلام، هذه بعض صفات خليل الله إبراهيم.

قال الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥].

هذه الآية لو تكلم الناس فيها إلى يوم القيامة لن يوفوها حقها، لأن هذا الرجل الذي ذكر الله جل وعلا عنه أنه خليل وأنه إمام وأنه بنى البيت يخاف على نفسه أن ينتكس، فيقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥].

قال السلف: من يأمن الفتنة بعد قول إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥].

نقول: فلا يأمن أحد يعرف أن القلوب والهداية ليس مردها إلى علم ولا إلى تلاوة، ولا إلى فصاحة ولا إلى بيان، ولا إلى مدح الناس، ولا إلى ذمهم، ولا إلى قبور يراها، ولا إلى أي شيء، إنما مردها إلى الله، فمن يعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يخشى على نفسه، ومن يعلم أنه وصل إلى ما وصل إليه بسلطته وقدرته، وما إلى ذلك فهذا أقرب إلى أن ينتكس.

فهذا خليل الله وأبو الأنبياء، وما من نبي بعده إلا من ذريته ويقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥].

الآن من الناس من لو قلت له: الصورة لا تعلقها لأنها حرام، قال: لا يوجد عاقل يعبد صورة في هذا الزمان.

فهذا لا يعرف أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن.

لكن خليل الله لما كان يعرف الله ويخشى على نفسه قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥].

فإذا خاف إبراهيم على نفسه والله جل وعلا قد أعطاه الرشد فكيف لا يخاف أحدنا على نفسه.

لكن نقول كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك) والإنسان كلما أكثر من الاستغفار واحتقر نفسه، ولم ينظر إلى من حوله على أنه أعظم هداية منهم كان أقرب إلى أن يثبت على الدين، أما إن ظن الإنسان في نفسه أنه بلغ المنازل العالية، وأن الناس فساق، وهو على خير فهذا والعياذ بالله يخشى عليه، فـ محمد بن المنكدر أحد التابعين تبع جنازة رجل خمار، فقيل: يا إمام أتتبع جنازة هذا؟ قال: إني لأستحيي من الله أن يراني أظن أن رحمته تعجز عن أحد من خلقه، فالله جل وعلا كما بيده الرحمة بيده العذاب.

فهو قادر على أن يضل، وقادر على أن يهدي، يقول تبارك وتعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٧ - ٢٨].

قال إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:٣٥ - ٣٦].

وهذا فيه دلالة على لين إبراهيم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:٣٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>