للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله)]

قال الله سبحانه: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:١٥٤].

ثم قال: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:١٥٥ - ١٥٦]، هنا يبين السياق القرآني ما نجم عن هذه المعاصي، فيذكر القرآن المعصية إجمالاً ثم يأتي بها تفصيلا.

قال تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ)) الباء للسببية، أي: بسبب نقضهم للميثاق، وهو ما أخذه الله عليهم عن طريق أنبيائه ورسله من مواثيق وعهود فنقضوها، وهذا دأبهم في كل آن وحين.

قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [النساء:١٥٥]، وهذا يسميه البلاغيون مجازاً مرسلاً، ومعلوم أن اليهود لم يقتلوا الأنبياء كلهم، ولكنهم لما استباحوا دم واحد منهم كانوا كأنهم استباحوا دم الجميع، وأي إنسان يستبيح دم شخص واحد فإنه يستبيح الدماء التي تساويه، فالله عبر عن قتلهم لنبيهم -حيث هم قتلوا يحيى وقتلوا زكريا- بقتل الأنبياء جميعا؛ لأن الأنبياء جميعا يجمعهم دين واحد.

قال تعالى: ((وَقَوْلِهِمْ)) أي: لنبينا، {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [النساء:١٥٥] جمع أغلف، وهو الشيء المطبوع المختوم الذي فيه حجاب يحول بينه وبين وصول المعرفة إليه.

قال تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٥٥]، وفي تفسير هذه الجملة لها وجهان: الوجه الأول: أنه أسلوب تستخدمه العرب في كلامها، بمعنى أنهم عديمو الإيمان.

الوجه الثاني: أنهم لم يؤمنوا إلا بقليل من أنبيائهم، فلما لم يؤمنوا بالكل كانوا كأنهم لم يؤمنوا؛ لأن الشرع يوجب الإيمان بالأنبياء جميعاً بلا استثناء، ولعل هذا أظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>