للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو)]

ثم تلا تلك الآية آيات ست آيات مسترسلات بعضها بعد بعض، فقال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام:٥٩ - ٦٥].

قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:٥٩] هذا أسلوب حصر، ومن أساليب الحصر في اللغة: تقديم ما حقه التأخير، وأصل الآية: مفاتح الغيب عنده.

فقدم الله الخبر على المبتدأ ليصبح المقام مقام حصر، أي: ليست عند أحد غيره مفاتح الغيب، ولو قال: ومفاتح الغيب عنده فإن المعنى يحتمل أن مفاتح الغيب عنده وعند غيره، ولكنه قال {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:٥٩] فجعل الأمر محصوراً؛ لأنه قدم الخبر على المبتدأ، وتقديم ما حقه التأخير أسلوب من أساليب الحصر في بلاغة العرب.

وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ} [الأنعام:٥٩] أي: عند الله {مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:٥٩].

و (مفاتح): جمع مفتاح، وهي عند النحويين اسم ممنوع من الصرف لأنه على وزن مفاعل.

يقول الله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:٥٩].

والنفي مع الاستثناء كذلك أسلوب من أساليب الحصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>