وقد اتفق على أن الجن مخلوقون من نار، واختلف في أيهما أقدم خلقاً الجن أم الإنس؟ والصحيح أنهم الجن بنص القرآن، حيث قال تعالى:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}[الحجر:٢٧] أي: من قبل خلقكم.
فلما قطعت الإضافة بنيت (قبلُ) على الضم.
والعرب في لسانها تسمي الجني بخمسة أسماء، فإذا كانوا يقصدون أصل الخلقة يقولون: جني، فإذا كان مما يسكن البيوت فإنهم يسمونه عامراً، ويجمع على (عمار)، وإذا كان مما يتعرض للصبيان ويفزعهم فإنهم يسمونه أرواحاً، وإذا كان ذا قوة وخبث وتمرد فإنهم يسمونه شيطاناً، فإذا زادت قوته وتمرده فإنهم يسمونه عفريتاً، قال ذلك الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى.
وابن عبد البر إمام مالكي شهير، وهو من أكثر علماء الأمة قدراً، وله كتابان في العلم شهيران جداً: الأول: التمهيد، والثاني: الاستيعاب، وله الاستذكار، فرحمه الله تعالى.
فالعماد منهم يسكنون البيوت، وقد جاء في موطأ مالك بسند صحيح أن رجلاً من الصحابة كان حديث عهد بعرس، فخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق، فكان يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام ليرجع إلى بيته، ولا يرابط في الخندق؛ لأنه حديث عهد بعرس.
وفي ذات مرة استأذن فرجع، فوجد زوجته خارج البيت، فأصابته الغيرة فسل السيف، فأشارت إليه أن: ادخل الدار.
فلما دخل الدار وجد حية عظيمة قد التفت على فراشه، فأخرج رمحاً أو سيفاً فضربها به، قال أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه راوي الحديث، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً؟ أي: ماتت الحية التي قتلها ومات الشاب في نفس الوقت، فلما علم صلى الله عليه وسلم قال:(إن في المدينة عماراً)، أي: إخواناً لكم من الجن يعمرونها، وشرع لهم صلى الله عليه وسلم التحريج، أي: أن يحرج على الجني إذا وجده في البيت أو غلب على الظن وجوده، فيحرج عليه أن يخرج ثلاثاً، ثم بعد ذلك إن لم يخرج فإن له قتله.