وبيان الحكم الشرعي غير الوعظ، ولذلك لما تقرأ في كتب ابن قدامة وغيره من أئمة الدين الفقهاء تجدهم لا يتكلمون مع بعضهم بقولهم: اتق الله، وخاف الله، واخش الله، فهذا كلام وعظ وليس له علاقة بالأحكام الشرعية، وعندما يتكلم المرء في الوعظ لا يتكلم عن تفصيلات اختلافات العلماء، فلا يأتي إنسان في مسألة يخالف فيها آخر فيقول له: اتق الله، فكيف تقول بهذا!.
فالكلام العلمي لا يقال لقائله: اتق الله، إذ لا يقول هذا الكلام إلا لأنه يعتقد أنه صحيح، فلكونه يتقي الله قال هذا الكلام؛ لأنه هو يعتقد أن هذا صحيح، فهو يقوله لأنه يتقي الله، فليس هناك موضع مجال لكلمة (اتق الله) و (خاف الله).
وأما من كان في معصية فإنك تقول له: اتق الله؛ لأنه يعلم أنها معصية ويعصي الله جل وعلا.
ولذلك إذا قرأت مناظرات العلماء وكلام ابن قدامة وغيره من أئمة العلم لا تجد فيها الأسلوب الوعظي ولا ذكر الجنة والنار؛ لأن كل فريق يعتقد صحة ما يقول، وإنما يبنى الكلام على الأدلة، وكل يحاج الآخر بالأدلة.
وبعض صغار طلبة العلم تقول له: ما رأيك في فلان؟ فيقول: هذا لا يخاف الله؛ لأنه يفتي بكذا وكذا، ويقول بكذا.
وهذا ليس بكلام رجل عاقل؛ لأنه يخاف الله فقال ما يعتقده، ولو طبق هذا الكلام الذي يتناقله اليوم البعض على الصحابة لهلكنا جميعاً؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبادلون الرأي، ويقول كل منهم بقول، ولا يقول واحد لآخر: اتق الله؛ لأن كل واحد منهم يقول ما يعتقد أنه صواب، وكل منهم يقارع الآخر بالحجة وبالنظر وبالدليل، وإذا استبانت لك المسألة فقد لا تستبين لأخيك، والعكس صحيح.