واختلف العلماء في أصل الجن، فالأكثرون -واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- على أن الجن من نسل إبليس.
وإبليس نفسه اختلف فيه هل هو من الملائكة أم هو من الجن؟ والقرآن يدل صراحة على أنه من الجن، قال الله تعالى في سورة الكهف:{إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:٥٠].
والذين قالوا: إنه من الملائكة يخرجون قول الله جل وعلا: ((إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)) على أن المراد بالجن هنا الملائكة.
ولهم دليل على أن الجن يراد بهم الملائكة، وهذا هو العلم؛ إذ المعلوم ثلاثة أقسام: محكم، ومنزل، ومؤول، ومضمار العلماء الذين يجرون فيه هو المؤول.
فقوله تعالى:((إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ))، قلنا فيه: إن الجن بمعنى الاستتار، وهؤلاء قالوا: إن الجن هنا المقصود بهم الملائكة، أي: كان من الملائكة.
والدليل على أن كلمة الجن تطلق على الملائكة قوله تعالى:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}[الصافات:١٥٨] والجنة هنا هم الملائكة؛ لأن الكفار ما قالوا: إن بين الله وبين الجن الأرضيين نسبة، وإنما ادعوا النسبة للملائكة، فنسبوا لله البنات، فقالوا: إن الملائكة بنات الله.
فالنسبة التي ادعاها الكفار هي أنهم نسبوا الملائكة بأنهم بنات الله، كما قال تعالى:{لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى}[النجم:٢٧].