للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن أبي الدنيا (١) بإسناده عن الحسن قال أشد ما يكون الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي، قال فعند ذلك يضطرب ويعلو نفسه ثم بكى الحسن وقد دل القرآن على مثل [ذلك] أيضًا، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} (٢)، وعمل السوء إذا انفرد يدخل فيه جميع السيئات صغيرها وكبيرها والمراد بالجهالة الإقدام على السوء وأما التوبة من قريب [فالجمهور] على أن المراد بها التوبة من قبل الموت فالعمر كله قريب والدنيا كلها قريب ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ومن مات ولم يتب فقد بعد كل البعد كما قيل:

فهم جِيرةُ الأحياء أما مزَارُهم ... فدانٍ وأمّا الملتقى فبعيد

فالحي قريب والميت بعيد من الدنيا على قربه منها فإن جسمه في الأرض يبلى وروحه عند الله تنعم أو تعذب ولقاؤه لا يرجى في الدنيا، فمن تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب فتقبل توبته، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - (٣) في قوله تعالى: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}، قال قبل المرض والموت، وهذا إشارة إلى أفضل أوقات التوبة وهو أن يبادر الإنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به حتى يتمكن حينئذ من العمل الصالح، وأيضا


(١) لطائف المعارف لابن رجب (ص: ٣٣٧).
(٢) سورة النساء، الآية: ١٧.
(٣) تفسير القرطبي (٥/ ٩٢) التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: ٢١٢). لطائف المعارف لابن رجب (ص: ٣٣٥).