للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالتوبة في الصحة ورجاء الحياة تشبه الصدقة بالمال في الصحة ورجاء البقاء والتوبة في المرض عند حضور أمارات الموت تشبه الصدقة بالمال عند الموت فكأن من لا يتوب إلا في مرضه قد استفرغ صحته وقوته في شهوات نفسه وهواه ولذات دنياه فإذا أيس من الدنيا والحياة فيها تاب حينئذ وترك ما كان عليه فأين توبة هذا من توبة من يتوب وهو صحيح قوي قادر على المعاصي فيتركها خوفا من الله عز وجل ورجاء لثوابه وإيثارا لطاعته على معصيته.

دخل قوم على بشر الحافي (١) وهو مريض [فقالوا] له ماذا عزمت؟ قال عزمت أني إذا عوفيت تبت، فقال له رجل منهم فهلا تبت الساعة، فقال يا أخي أما علمت أن الملوك لا تقبل الأمان ممن في رجله القيد وفي رقبته الغل، إنما يقبل الأمان ممن هو راكب الفرس والسيف مجرد بيده، فبكى القوم جميعا، ومعنى هذا [أن] التائب في صحته بمنزلة من هو راكب على متن جواده وبيده سيف مشهور فهو يقدر على الكرّ والفرّ والقتال والهرب من الملك وعصيانه فإذا جاء على هذه الحال إلى بين يدي الملك ذليلا له طالبا [لأمانه] صار بذلك من خواص الملك وأحبابه لأنه جاء طائعا مختارا له راغبا في قربه وخدمته وأما من هو في أسر الملك وفي رجله قيد وفي رقبته غل فإذا طلب الأمان من الملك فإنما طلبه خوفا على نفسه من الهلاك وقد لا يكون محبا للملك ولا مؤثرا لرضاه فهذا مثل من لا يتوب إلا في مرضه عند


(١) لطائف المعارف لابن رجب (ص: ٣٣٦).