ذلك بأنه من طبيعة المستلهم إلى العرائس أن يتأملهن ويعجب بهن ويتأتى إليهن، وفي كل هذا شوق وطرب مع تقية وانفصال.
أما من كان قرينه شيطانًا فإنه يخالطه مخالطة لا يدع معه له انفرادًا بنفسه أو انفصالاً بذاتها. وعلى هذا فإن تعبيره يكون ضربة لازب ألوانًا من الاعتراف يتدافعن تدافعًا وينفجرن انفجارًا. فعسى هذا التمثيل أن يعين شيئًا على إدراك بعض حقيقة الفوارق بين مذاهب الشعر الإفرنجي والشعر العربي.
هذا وإذ نحن بصدد الحديث عن شيطان الشعر، فقد لا نبعد عن تثبيت معاني ما نحن بمعراضه، إذا استطردنا بالقارئ شيئًا إلى نعت بعض شعراء العرب المشاهير بنعوت شياطينهم. أليس معلومًا أن كل شاعر قد كان يدعي لنفسه شيطانًا؟ أم لم يمر كلام سويد بن أبي كاهل من قبل؟ أم لا تعلم قول حسان:
ولي صاحب من بني الشيصبان ... فطورًا أقول وطورًا هوه
وقول الأعشي:
دعوت خليلي مسحلاً ودعوا له ... جهنام جدعا للهجين المذمم
فأبو العتاهية مثلاً شيطانه من الحن بالحاء المهملة، وهم أمة خسيسة من الجن شديدو الخبث مع ضعف وتخاذل. ويخيل لي أن أكثر شياطين الشعر «المتعاصر»(١) من هذه القبيلة. وآية الضعف والتخاذل في أبي العتاهية أنه تنكب الجزالة في التعبير بدعوى الزهد، والناس يذكرون أنه كان زنديقًا وكان جشعًا أشد خلق الله حرصًا على المال، والذي في أسلوبه من الركاكة والهجنة لا يخفي. وأحسبه لو لم يتخذ الزهد طريقة ما كان لينفق في زمان كان يستمع إلى أبي نواس وبشار ومروان ابن أبي حفصة.