وغير خاف ههنا أن شيطان سويد هو سويد نفسه بدليل البيت الأخير، وهذا يقوى ما نزعمه من حالة الجذب. وقضية شيطان الشعر معروفة فلا تحتاج إلى بسط ههنا. ويحسبك شاهدًا على إيمان العرب بها أن الدين ألمع إلى مذهبهم هذا في قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)}. والمنعوتون بالإفك والإثم والكذب ههنا هم الكهان، ثم أضيف الشعراء إليهم بسبيل المشابهة والمضاهاة ومنهم من استثنته الآيات كما ترى. وفي الأثر أن حسان بن ثابت أُعين بروح القدس بعد أن أسلم، وهذا أيضًا دليل على إثبات الهاتف الذي يجذب الشاعر ويجيش في صدره.
ويحسن بنا هنا أن نوازن بين مزاعم الفرنجة أخذًا عن يُونان في نسبة الشعر إلى «الميوازت» أو «عرائس الشعر» وبين مزاعم العرب في الشيطان والرئي. ألا ترى أن الذي تلهمه العرائس جدير أن يكون في بيانه ذا ريث ومهل وانفصاله بنفسه شيئًا ما عن طبيعة الموضوع الذي هو بصدده، حتى يجئ كلامه نعتًا أو كالنعت، لا اعترافًا ولا تصريحًا ولا رومًا إلى إيصال تجربة بعينها إيصالاً مباشرًا إلى نفس السامع.