للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي سلمة. وما رأيت صاحبًا قط أكرم من عثمان بن طلحة» (١).

وعثمان بن طلحة المذكور ههنا قد كان من المشركين، شديد العداوة للمسلمين وبقي على ذلك إلى الحديبية فآمن. وكان من بيوت السيادة في قريش وأهل بيته بنو عبد الدار كانوا أصحاب مفاتيح الكعبة كما كانوا أصحاب اللواء وقتل عمه وإخوان له وهم يحملون اللواء يوم أحد.

وفي القصة بعد من أدب الفروسية ما ترى من المبالغة في إكرام الكريمة ورعاية حرمتها. ولا يناقض هذا ما يروي عن العرب من أمر الوأد، فإن المجموعات التي تلتزم أدب الفروسية تحتقر المرأة من حيث هي ضعيفة عاجزة عن حمل السلاح، وتغار عليها من حيث هي معرض للمباهاة وإظهار الرجولة، وفي أخبار الفروسية الأوربية في القرون الوسطى أنباء تصلح شاهدًا على هذه النظرة المزدوجة المتناقضة الجانبين، من ذلك على سبيل المثال ما اشتهر عن الصليبيين من إلزام حلائلهم لباس أحزمة خاصة ليضمنوا ألا يخنهم أثناء غيابهم في الأرض المقدسة. وقد كان في هذا من الوحشية والقسوة ما لا يخفى.

هذا، وما لبث الشعراء أن وجدوا أنفسهم كالغرباء بين طبقة الفرسان. ذلك بأن الفروسية بعد أن صارت مذهبًا معروفًا وأدبًا محذوًا ومنهجًا في الحياة ذا أدب وحدود، برز فيها رجال لم يكونوا شعراء خُلصًا، وإنما تعاطى من تعاطى منهم الشعر، ليُتم به آلة الفروسية ومظهرها. إذ يبدو أن الشعر لطول ارتباطه بالفروسية قد صار يُعد من متمماتها: من شواهد ما يروى عن عنترة أنه لما فخر بكمال الفروسية تحداه عائبوه بأنه لا يقول الشعر، واتفق إن كان هو شاعرًا سليقة فأجابهم بمعلقته المشهورة:

هل غادر الشعراء من مُتردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>