تقريبي فيه تجوز كثير إذ القارئ يعلم أن الشاعر قد يبدأ في ذكر بعض أغراضه مع النسيب. بل قد يكون بعض النسيب من أغراضه وقد يذكر الرحلة مع النسيب أو يؤخرها إلى القسم الثالث أو يخلط بين الأقسام فيدخل بعضهن على بعض. أو يحذف أحدهن استغناء عنه كالذي وقع من زهير في المعلقة:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... بحومانة الدراج فالمتثلم
فإنه قد ترك الرحلة وإن يك قد أدخل بعض أوصافها فيما جاء به من نسيب. وقد اكتفى بالإيحاء العجل إليها في لاميته فقال:
تأوبني ذكر الأحبة بعد ما ... هجعت ودُوني قُلة الحزن فأقسمت جهدًا بالمنازل من منى ... وما سحقت فيها المقادم والقمل
لأرتحلن بالفجر ثم لأدأبن ... إلى الليل إلا أن يُعرجني طفل
وقد اكتفى من النسيب بثلاثة أبيات فحسب، في داليته التي مطلعها:
غشيت ديارًا بالبقيع فثهمد ... دوارس قد أقوين من أم معبد
وأطال في وصف الرحلة.
وقد خلط امرؤ القيس بين النسيب وغيره أيما خلط في طواله المشهورات.
وقد ذكرنا في الجزء الأول أن استهلال الشعراء بالنسيب يراد به إحداث روح من الشجى والحنين. وقد أشار إلى هذا المعنى ابن قتيبة في الشعر والشعراء قال (١): «وسمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصد القصيد إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدمن والآثار، وبكى وشكا وخاطب الربع واستوقف الرفيق ليجعل ذلك سببًا لذكر أهلها الظاعنين عنها، إذ كان نازلة العمد في الحلول والظعن على خلاف ما عليه نازلة المدر لانتقالهم عن ماء إلى ماء وانتجاعهم الكلأ وتتبعهم مساقط الغيث حيث