للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا وقد ذكر لنا القرآن غير قليل من عقائد العرب الوثنية في المرأة وتأليهها: من ذلك زعمهم أن الملائكة بنات الله، وزعمهم أن لله من البشر إناثهم دون ذكورهم، ولشركائه الذكور دون الإناث، فقال تعالى في سورة الزخرف: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩)}.

وأكاد أجزم أن الوأد الذي كانت تفعله قريش وكثير غيرها من العرب، ما كان إلا من قبيل العبادات الوثنية. والذي يذكره المتأخرون من أن العرب إنما كانوا يئدون البنات نفاة للعار سبب ثانوي فيما أرى وليس برئيسي وسنعرض لذلك من بعد عندما نتحدث عن الغيرة في باب الغزل، والقرآن صريح، في أن أسباب الوأد الرئيسية قد كانت وثنية واقتصادية. قال تعالى في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} وقال تعالى في الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١)}. وزعم بعض الزاعمين أن الوأد إنما كان في قبائل قليلة من العرب هراء محض (وأحسبه من باب الرد على الشعوبية) يشهد بذلك صريح القرآن (١) إذ كان إنما يخاطب قريشًا ثم العرب كلهم، وليس في الآيتين السالفتي الذكر ما يدل على أن المشار إليهم بعادة قتل الأولاد كانوا نفرًا قليلاً. وآية الموؤدة في سورة التكوير صريحة في إدانة قريش وعامة المشركين {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)}. هذا وقوله تعالى: {أَوْلادَكُمْ} يدخل فيه الذكور والإناث. ويُقوي ما نراه من أن التضحية للآلهة كانت تنال الذكور كما تنال الإناث، ثم إن العامل الاقتصادي حمل القوم على استبقاء


(١) قال الطبري في تفسير سورة التكوير عن الربيع بن خيثم «وإذا الموؤدة سئلت قال كانت العرب من أفعل الناس لذلك (الحلبي- ج- ٣٠ - ٧٢)».

<<  <  ج: ص:  >  >>