فالشاعر كما ترى ههنا وقف وقفة غير قصيرة عند فروع النخل الأثائث وبسره الزاهي، وحمله المُكتنز، وخصبه الذي تردد فيه العين حتى تتحير ثم خلص من ذلك إلى ذكر الدمى، فكأنه أراد أن يوقع عندك أن هذا النخل الموصوف هو الدمى التي في السقف ذي المرمر، وهو أيضًا الغرائر اللواتي في الصون والنعمة وكما تصون بنو الربداء من آل يامن نخيلها بالسيوف، فهي كذلك يحوطهن من يُذبب عنهن بالسيوف.
وقريب من قول امرئ القيس في الدلالة على الخصوبة قول عبيد بن الأبرص:
صبا صبوة بل لج وهو لجوج ... وزال لها بالأنعمين حُدوج
كما زال نخل بالعراق مُكمم ... أمر له من ذي الفرات خليج
والشاهد هنا تخصيصه نخل العراق. وفي هذا دلالة على أن مراده معنى اللين والخصب في النخلة (١). لا مجرد مرآها من بعد، وشبهها في الحسن المظهري بالهودج. وقال أبو دؤاد الأيادي:
هل ترى من ظعائن باكرات ... كالعدولي سيرهن انقحام
والعدولي ضرب من السفن
واكنات يقضمن من قضب الضرو ... ويُشفى بدلهن الهيام
وسبتني بنات نخلة لو كنـ ... ـت قريبًا ألم بي إلمام
(١) راجع السيرة «١ - ٣٢» يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد في كل سنة، إذا كان ذلك العبد علقوا عليها كل ثوب وجدوه وحلى النساء فهذا شاهد في رمزية النخلة للمرأة.