للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دؤاد، وفي أبيات أمرئ القيس، فهو أيضًا مما يترجح عندي دخوله في رموز الخصوبة، إذ لا ريب أن السفينة قد تكون من أداة الخصب والخفص عند مقاربي البحر من العرب كأهل عمان وقريش. وصلة البحر بالخصوبة وعبادتها أمر موغل في القدم (١). وفي القرآن الكريم «وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام» (٢)، والجوار ههنا جمع الجارية بمعنى السفينة- قال تعالى {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)}. ولكنك تعلم أيضًا أيها القارئ الكريم أن الجارية من أوصاف النساء وأسمائهن. والإنشاء فيه معنى التهيئة والزخرفة. وقد ذكره الله تعالى في قوله ينعت النساء:

«أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين». والتخفيف قراءة أبي عمرو والتثقيل قراءة عاصم، والمعنى واحد أو متقارب.

ولا أحسبنا نباعد أن زعمنا أن في نعت السفائن بالجوار المنشآت أشعارًا بالتأنيث لهن. هذا وقد ألغز مسلم بن الوليد بهذه العلاقة بين معنى السفينة ومعنى الجارية في بيتيه المشهورين:

وملتطم الأمواج يرمي عُبابه ... بجرجرة الآذي للعبر فالعبر

قطعت إلى معلومه منكراته ... بجارية محمولة حامل بكر

هذا، ومما نصت به الشعراء على إرادة المرأة من ذكر شجرة بعينها قول الآخر (٣).

ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السلام


(١) غير خاف عن القارئ أن الودع، وهو من أصداف البحر، قد كان مما يؤلهه قدماء المصريين، تأليه خصوبة ولتشبيهه بالمرأة نصيب وافر في أصل تأليهه عنصر التشبيه في السفينة لا يخفى.
(٢) الجواري بإثبات الياء وصلاً في قراءة أبي عمرو.
(٣) هذه الأبيات منسوبة للأحوص وروايتها كما ترى مضطربة، وإنما نسقناها معًا لمكان البيت الأول منها وهو من مشهور أبيات الشواهد، ولعله من نفس الميمية التي منها قوله:
سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
والبيتان: «سألت الناس إلخ» يترجح عندي أنهما دخيلان- الخزانة ٢/ ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>