قلت هذه الأبيات فيها فكاهة وتخابث. والشاعر في البيت «ولولا إلخ .. » يريد أن يزعم أنه قد نال وصلا من هذه المحبوبة، دليل ذلك أنه هجرها والذي لم ينل وصلا لا يصح الحديث عنه بأنه هجر وصارم- ودليل آخر أنه مشغوف بها، ولو كان لم ينل منها وصلاً، لم يكن في قلبه كل هذا الشغف والشوق، لأن المرء إنما يشتاق إلى ما كان عنده ثم حرمه- وهذا معنى قوله «إني إذن لطليق» أي لولا سابق الوصال وما تلاه من هجر لكنت امرأ طليقًا خالي القلب من الصبابة. هذا وفي ذكره «عميرة» ما يبطل حديث صاحب الخزانة عن هذا الذي زعمه من نهى سيدنا عمر عن ذكر أسماء النساء، ولا يخالجني شك في أن هذا الخبر منظور فيه إلى قصة المهدي العباسي حين نهى بشارًا وأضرابه عن ذكر أسماء جواريه. وهذا، كما ترى، فإن عميرة ههنا تفسير للرمز بعد أن بلغ الشاعر أقصى غاياته، على أنها عندي في ذاتها قد تكون كناية عن اسم المحبوبة الحقيقي أو ربما كانت رمزًا أراده الشاعر علمًا لعدة محبوبات ألبسهن هو صورة محبوبة واحدة، ليرتقي بهن من أرض الواقع إلى سماء الخيال والمثل الأعلى. ثم يقول عائدًا إلى الرمز بعد أن فسره:
أبى الله إلا أن سرحة مالك ... على كل أصناف العضاه تفوق
وهذا البيت كما ترى يجمع لك معنى المرأة والشجرة معًا، ويعطيك ذلك الروح المثالي المفعم بالصبابة ومعاني الخصوبة الذي منه نبع وجدان الشاعر وبيانه.
هذا وروى صاحب الأمالي (١)، مما يجري قريبًا من مجرى أبيات حميد هذه:
أمن أجل دار بين لوذان فالنقا ... غداة اللوى عيناك تبتدران
فقلت ألا لا بل قذيت وإنما ... قذى العين لي ماهيج الطللان
فيا طلحتي لو ذان لا زال فيكما ... لمن يبتغي ظليكما فننان
وإن كنتما هيجتما لاعج الهوى ... ودانيتما ما ليس بالمتداني