وجلي ههنا من الكناية بالطلحتين عن امرأتين أو امرأة واحدة أو معان متصلة بامرأة. وقد نظر مطيع بن إياس إلى هذا القرى في كلمته المشهورة التي يذكر فيها نخلتي حلوان.
ومما رواه صاحب الأمالي أيضًا:
ألا يا سيالات الدحائل باللوى ... عليكن من بين السيال سلام
وإني لمجلوب لي الشوق كلها ... تغرد في أفنانكن حمام
والكناية بالسيال والطلح في ما رواه صاحب الأمالي أخفى من كناية النخلة والسرحة في المتقدم من استشهادنا، لجواز أن يكون الشاعر أراد سيالات بأعيانها وطلحتين بأعينهما. على أن توهم مثل هذا الجواز مما يفسد مراد الشاعر إن حمل عليه، ولكن يزيده حسنًا إن استشعره القارئ والسامع وهما على علم موقن بما يريده الشاعر. وهنا يكمن سر القوة في سائر أصناف الكناية والرمز.
هذا ومما رمزت به العرب للمرأة، أو قرنته بمعناها، من غير الحيوان والنبات أصناف كثيرة، قدمنا لك منها السفينة على سبيل الاستطراد بمعرض ذكر النخلة والدوم والظعائن. وقد نثثنا لك ثم طرفا من رأينا في صلة السفينة بالعبادة وطقوس الخصوبة القديمة ولا بأس ههنا من الإشارة إلى قصة سيدنا نوح وسفينته.
ومنها النار. وقولهم «أحسن من النار الموقدة» نعت معروف. وذكر صاحب السيرة أنه كانت لأهل اليمن نار يحتكمون عندها (١ - ٣٣/ ٣٤) حتى جاءهم وافد من أهل الكتاب فأطفأها الله به (١). وعسى إن كانت هذه النار من رموز الشمس، فقد كان السبئيون من اليمن يعبدون الشمس بدليل قوله تعالى في سورة النمل عن الهدهد يخبر عن بلقيس وقومها {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
(١) وراجع تفسير سورة قاف في الطبري عند قوله تعالى (وقوم تبع).