للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك العدد» كما رأيت- فهل يا ترى، من صلة بين ذكر الإحصاء في هذا الأثر وبين ذكر الإحصاء في كلام النابغة نقدر في ضوئه أن نفسر رمزية هذه القصة ونحدس حدسًا من طريقها بعض ما كانت تعتقده العرب في جاهليتها من أمر الزرقاء وحمامتها؟ وإذا جاز لنا أن نفترض أن الحمام الذي رأته الزرقاء ما كان إلا ضربًا من الآلهة أو قل الملائكة، فهل لنا أن نفترض أن زرقاء اليمامة كانت هي الإله الذي كان في الأرض إذ أخواته طائرات في جو السماء- أو قل الملك على الأرض المرموز إليه بالحمامة ينظر إلى ملائكة طائرات أو طائرين؟ ألم تكن العرب تعتقد أن الملائكة بنات الله؟ أم لا يروي لنا الرواة أن المختار بن أبي عبيد زعم لأصحابه أن الله سيبعث إليهم الملائكة في صور الحمام، وقد كان أعد حمامًا من أجل هذه المخرقة؟

هذا وليس بعسير على الفكر إدراك أن تكون الصلة بين قوة النظر ورمزية الحمامة. فالعرب قد كانوا أهل صحراء يطلب فيها الورد من أماكن بعيدة. وقد كانوا يشاهدون ورود القطا، وضروب الحمام وتنقلها السريع من مورد إلى مورد. ولا يخفى ما بين هذا وقوة النظر وإبعاده من قرابة قريبة.

وفي القصة النوحيه التي سبق تقديمها ما يشعر بأن الحمامة ما اختيرت لتكشف ما انحسر من الأرض إلا لقوة بصرها. وكذلك الغراب إذ هو موصوف أيضًا بإبعاد النظر. إلا أن شؤمه بعده من معاني أن يتصل نظره بالمأوى والرجاء والخصب والنماء وهلم جرا، وقاربه إلى أن يتصل نظره بما يُتوقع من أصناف البين والمكروه.

وإن جاز هذا التأويل فإن أسطورة الزرقاء تكون أبعد في أصلها وقدميتها من أسطورة القصة النوحية. ويكون معنى العين والنظر هو المعنى الأول في قدسية الحمامة ورمزيتها ثم تلاة معنى المأوى والرجاء والأمن وهلم جرا. ومعنى النظر الأول بلا ريب من معاني الخصوبة وقد رأيت ارتباطه بخصوبة الأنثى في ألوهية الزرقاء أو كهانتها أو بطولتها. أيًا ما شئت من ذلك. وفي نشيد سليمان الذي يقال له نشيد

<<  <  ج: ص:  >  >>