للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى السقيا والخصب والأنوثة والجانب الجنسي- في الأصل الهديلي ذي البكاء والشجن والحنين. ذلك بأن مشية الحمامة ورشاقتها وخفتها كل ذلك متصل بمعاني الفتها وحنينها وغنائها.

قال المعري:

إذا لمست عُودًا برجل حسبتها ... ثقيلة حجل تلمس العود ذا الشرع

تجيب سماويات لون كأنما ... شكرن بشوق أو سكرن من البتع

فكشف المعنى الذي نقصد إليه كما ترى.

«والعذريون» (١) من أهل الحجاز ومقلديهم مع أنهم فرسان الصبابة، لا يكثرون من ذكر نوح الحمام في معراض الشوق إكثار غيرهم. وعسى أن يكون أكثر شعرهم في هذا الباب قد ضاع، فما من حكم نصدره أو نميل إليه في الذي نحن بصدده، إلا وهو مرهون بصحة تمثيل ما وصلنا من أشعارهم لسائر ما عليه مذاهبهم. والذي يرجح عندنا أنهم كانوا يرومون أن يتساموا بمعاني الشوق فوق الحنين الجنسي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، يرون أن ذلك من صدق الصبابة، ومن آيات شرفها. من ذلك ما ذكروه من خبر عبد الرحمن القس إذ أصاب خلوة من سلامة الزرقاء فعف عن تقبيلها استشهد بالآية: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧)}. ومن ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان من الفقهاء:

شققت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور

تغلغل حُب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير

تغلغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حُزن ولم يبلغ سرور


(١) ()

<<  <  ج: ص:  >  >>